قصة أختي المصابة بالتوحد علّمتني أكون إنسانًا

حدوتة جدتي:قصة أختي المصابة بالتوحد علّمتني أكون إنسانًا

في البداية، كنت أظن أن حياتنا تشبه حياة أي أسرة عادية. ومع ذلك، ومع مرور الوقت، بدأت ألاحظ أن أختي الصغيرة “ليلى” لا تتصرف مثل باقي الأطفال في سنها. كانت تفضل الجلوس بمفردها، وتغضب إذا تغيّر ترتيب ألعابها، ولا تنظر في عيوننا عندما نتحدث إليها.

قصة أختي المصابة بالتوحد علّمتني أكون إنسانًا

لحظة الحقيقة

لاحقًا، وبعد عدة زيارات للأطباء، أخبرنا الطبيب أن ليلى مصابة باضطراب يُسمى “التوحد”. في تلك اللحظة، لم أفهم تمامًا ما معنى ذلك، ولكنني كنت أشعر أن شيئًا كبيرًا سيغيّر مجرى حياتنا جميعًا. منذ ذلك اليوم، بدأت رحلة جديدة من التعلّم، الفهم، والصبر.

تحديات يومية ولكنها ملهمة

بطبيعة الحال، لم تكن الحياة سهلة. أحيانًا كانت ليلى تصرخ فجأة بدون سبب واضح. وفي أحيانٍ أخرى، كانت ترفض الخروج من البيت أو التحدث مع أي شخص. على الرغم من أنني شعرت بالحزن أحيانًا، إلا أنني بدأت أتعلم كيف أقترب منها بطريقة مختلفة.

فعلى سبيل المثال، بدلًا من أن أتحدث معها بصوتٍ عالٍ، بدأت أستخدم صورًا ورسومات تساعدها على الفهم. كذلك، بدأت ألاحظ أن لديها قدرة مدهشة على تمييز الأصوات والنغمات، مما جعلني أكتشف شغفها بالموسيقى.

دروس تعلمتها من ليلى

بصراحة، لم أتوقع أن أختي التي لا تتحدث كثيرًا، ستكون المعلم الأول لي في الحياة. فقد علّمتني أن الصبر ليس مجرد كلمة، بل أسلوب حياة. كما فهمت أن الحب لا يُقاس بالكلمات، بل بالأفعال.

أيضًا، تعلمت أن لكل إنسان طريقته الخاصة في التعبير، وأن الاختلاف ليس ضعفًا، بل مصدر قوة وتميّز. وبهذا، بدأت أرى العالم من منظور جديد تمامًا، مليء بالتعاطف والتقبّل.

كيف تغيرت عائلتنا للأفضل؟

بمرور الوقت، أصبحت ليلى مركزًا للحب في بيتنا. فقد توحدت قلوبنا جميعًا حولها، وتعلّمنا كيف ندعمها بكل الطرق. على سبيل المثال، اشتركنا في ورش عمل لتعليمنا كيفية التعامل مع أطفال التوحد، كما بدأت أمي تقرأ كتبًا متخصصة، ووالدي أنشأ مجموعة دعم للآباء.

علاوة على ذلك، بدأت أتكلم مع أصدقائي في المدرسة عن أختي، وعن التوحد، حتى يفهموا أن من يعاني من هذا الاضطراب ليس مختلفًا عنا، بل فقط يحتاج منّا بعض الفهم والدعم.

أنا إنسان جديد

صحيح أن أختي تعاني من التوحد، لكن الأصح أنها علّمتني معنى الإنسانية. فأنا اليوم شخص مختلف: أقدّر التفاصيل الصغيرة، وأفهم الآخرين بقلبي قبل عقلي، وأسعى دائمًا لأن أكون صوتًا لمن لا يستطيعون الكلام.

 يمكن القول إن وجود “ليلى” في حياتي لم يكن عبئًا كما كنت أظن في البداية، بل كان نعمة خفية. فبفضلها، أصبحت إنسانًا أفضل… إنسانًا حقيقيًا.