كان فيه يوم شتوي بارد، والهواء بيصفّر بين الشبابيك، قاعدت الجدة أمينة جنب المدفأة، ولابسها شال صوفي قديم محبوك بإيدين ستها زمان. حفيدها كريم كان بيذاكر دروسه، بس زهق بسرعة وقام قال لها بابتسامة خفيفة: “يا تيتا، احكيلي حكاية من زمانك كده.” ابتسمت الجدة وقالت، وعينيها مليانة ذكريات: “هقولك عن يوم عمري ما نسيته، يوم علمني درس مهم جدًا.”
بداية القصة
قصة الجده “كنت صغيرة زيك كده، عايشة في بيت بسيط في حارة هادية، مليانة جيران طيبين وكلامهم الحلو في الصباح. في يوم من الأيام، جارتنا أم سليم دخلت علينا بتجري ووشها أصفر زي الليمون: ‘اتسرق دهبي!’ صوتها كان بيرج الحارة، وكل الناس اتجمعت بسرعة، والهمس بقى في كل مكان، زي النحل حوالين خلية.”
التحقيق في السرقة
قصة الجده كملت، ونبرة صوتها بقت أكتر حماس: “الكل بدأ يشك في بعض. مين اللي دخل؟ ومين اللي خرج؟ ومين كان واقف جنب الباب؟ لكن، وسط كل الشكوك، كان فيه ولد صغير ساكن جنبنا، اسمه عادل. عينه دايمًا تلمع كأنه مخبي سر كبير. وعلشان كده، قررت أراقبه، من غير ما يحس، يوم ورا يوم.”
اللحظة الحاسمة
“وفي يوم، كان الجو هادي والدنيا شبه ساكنة، شفت عادل من بعيد وهو بيخبّي حاجة في الحديقة، ووشه كله قلق وخوف. فضلت أراقب من بعيد، ولما مشي بخطوات سريعة، قربت وبهدوء شديد فتحت الحفرة الصغيرة. لقيت عقد دهب ملفوف في قماشة قديمة ومليان تراب. قلبي كان بيدق بسرعة، زي الطبول في حفلة كبيرة.”
مواجهة الحقيقة
“رجعت البيت، ثم ذلك وقلبي مليان أفكار. فكرت: أروح أقول ولا أسكت؟ طب لو قلت، ممكن يحصل إيه؟ لكن في الآخر، قررت أكون شجاعة. الشجاعة مش بس إنك تواجه الناس، الشجاعة كمان إنك تواجه مخاوفك. رحت لأم سليم، وقلت لها اللي شوفته. لما راحوا لعادل، انهار واعترف بكل حاجة. كان خايف يقول الحقيقة، وكان شايل الهم لوحده.”
العبرة من القصة
قصة الجده بصت لكريم، وعينيها فيها لمعة حكمة وقالت: “الحكاية دي علمتني حاجتين مهمين جدًا: أول حاجة إن السرقة مش بس غلط، لكن كمان الخوف من الاعتراف بيخلي الأمور أسوأ بكتير. وتاني حاجة، الشجاعة مش بس إنك تواجه الناس، الشجاعة كمان إنك تواجه نفسك وتكون صادق مهما كانت الحقيقة صعبة.”
ابتسم كريم وقال: “شكراً يا تيتا، حكايتك أحسن من أي كتاب وأي فيلم.” ضحكت الجدة وقالت: “الحكايات يا حبيبي، فيها دروس العمر كله، ولو سمعت كويس، هتلاقي فيها كنوز أكتر من أي دهب.”