حدوتة جدتي:قصة النظارات التي ترى القلوب
في أحد الأحياء القديمة، كان هناك متجر صغير يبيع الأشياء العتيقة والنادرة. كان المتجر ممتلئًا بالتحف الغريبة والكتب القديمة، ولكن أكثر ما لفت انتباه “سامي”، الطفل الفضولي، هو نظارة سوداء موضوعة في صندوق زجاجي.
دفعه فضوله للسؤال عنها، فأجابه البائع العجوز بصوت هادئ:
“هذه ليست مجرد نظارة، إنها تستطيع أن تُريك قلوب الناس بدلًا من وجوههم!”
لم يكن سامي يصدق الأمر، ولكنه قرر شراء النظارة وتجربتها بنفسه، معتقدًا أنها مجرد خدعة أو قصة خيالية. لكنه لم يكن يعلم أن هذه النظارة ستغيّر نظرته للحياة تمامًا.
بمجرد أن وضع سامي النظارة، شعر أن العالم من حوله لم يعد كما كان. لم يعد يرى وجوه الناس العادية، بل أصبح يرى ألوانًا مختلفة تحيط بهم. عند مروره بجارته العجوز، التي كانت دائمًا تبتسم له، تفاجأ بأن لون الهالة المحيطة بها كان أزرق داكنًا، وهو لون الحزن. أدرك حينها أن ابتسامتها كانت مجرد قناع تخفي وراءه وحدتها.
عندما التقى بأحد أصدقائه، الذي كان معروفًا بقسوته وسخريته من الآخرين، توقع أن يرى هالة سوداء، لكنه فوجئ بأن اللون كان أصفر شاحبًا، مما يعني أن صديقه كان في الواقع يشعر بالخوف وانعدام الثقة بالنفس.
تغير نظرة سامي للحياة
مع مرور الأيام، بدأ سامي يراقب الجميع من خلال النظارة، واكتشف أن الكثير من الأشخاص لا يظهرون مشاعرهم الحقيقية. فذلك المعلم الصارم الذي كان يظنه بلا مشاعر، كان يحمل في داخله قلبا مليئا بالحب لطلابه، ولكنه يخشى أن يظهر ذلك حتى لا يفقد هيبته. أما زميلته التي كانت دائمة الغضب، فقد اكتشف أن قلبها مليء بالخوف من الفشل.
مع هذه المعرفة الجديدة، بدأ سامي يتصرف بشكل مختلف. أصبح أكثر لطفًا مع جارته العجوز، فكان يزورها يوميا ليؤنس وحدتها. كما بدأ في دعم صديقه الساخر، مما جعله بمرور الوقت يتوقف عن سلوكه العدواني.
في أحد الأيام، قرر سامي أن يجرب شيئا مختلفًا. خلع النظارة ونظر إلى الناس بعيونه العادية. أدرك أنه لا يحتاج إلى النظارة السحرية لكي يرى قلوب الناس، بل يكفيه أن يكون أكثر تفهمًا وتعاطفًا معهم. فقد تعلم أن المظاهر قد تكون خادعة، وأن الجميع يحمل في داخله مشاعر لا يراها الآخرون.
بعد أن أدرك سامي الدرس الأهم في حياته، قرر أن يعيد النظارة إلى المتجر القديم، لكنه تفاجأ بعدم وجود المتجر ولا البائع العجوز! وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس. ابتسم سامي لأنه أدرك أن السحر لم يكن في النظارة، بل في قلبه الذي أصبح يرى الناس بطريقة مختلفة.
وهكذا، تعلم سامي أن العالم مليء بالمشاعر الخفية، وأن أعظم هدية يمكن أن نقدمها للآخرين هي التفهم والتعاطف. والأهم من ذلك، تعلم أن القلوب الحقيقية لا تُرى بالعيون، بل تحس بالمشاعر الصادقة.