قصة حزينة : قصة يوسف أبيضاني وحلو وشعره كيرلي
في ليلة هادية تحت ضوء القمر، قعدت الجدة في نص أحفادها الصغيرين، قاعدين حواليها ومتلهفين يسمعوا حكاياتها. بصتلهم كده وحست قد إيه شغفهم كبر لما عرفوا إنها هتحكي لهم حكاية من أيام الحرب في غزة. وبصوتها الحنون بدأت الحكاية…
“زمان في حرب من الحروب اللي عدت على بلدنا، كنت بشوف حاجات كتير، وعايشت أيام صعبة، ولولا ربنا اللي صبرنا، ماكناش نقدر نستحمل. والحدوتة اللي هحكيهالكم النهارده عن أم صابرة وقلبها على ابنها، واللي فضل معاها في أصعب لحظات الحرب.”
كان في مرة أم اسمها أم يوسف، ولادتها ما كانتش سهلة، قعدت سنين مستنية ولما جه يوسف، كان زي القمر، بيضوي حياتها ويملالها البيت ضحك وبهجة. كانت كل يوم بتستناه يرجع من المدرسة، وتقابله بقلاية الطماطم اللي كان بيحبها، يوم ورا يوم، وصار بينهم طقوس وحب كبير.
قصص عن الصداقة : قصة اللوحة الجميلة
لكن في يوم من الأيام، يوسف قال لأمه وهو ماسك في طرف جلابتها: “ماما، أنا جعان عايز آكل.” بصتله بإبتسامة حنان وقالت: “ما تقلقش يا حبيبي، هعملك قلاية طماطم سخنة تاكلها.” قامت بتدور في البيت على الطماطم، لكن مالقيتش ولا حبة واحدة. فعلى طول قفلت الباب ووصته يقفله كويس، وخرجت تدور عند الجيران، تدعي ربنا يحميه لحد ما ترجعله.
أكبر منحة مجانية لطلاب الإبتدائي من وزارة الاتصالات
راحت عند جارتها أم محمود، خبطت على الباب كتير، لكن محدش رد. راحت لبيت آل المقداد اللي في الناحية التانية من الشارع، وكلها أمل إنها تلاقي طماطم ليوسف. ولما وصلت، قالت لأم مقداد: “إزايكِ يا حاجة؟ ولادك كويسين؟” أم مقداد ردت بتعب: “الحمد لله، لسا بنقول يا رب، ربنا يسترها علينا.” سلمت عليها وخدت منها الطماطم، ولما همت ترجع، فجأة سمعت صوت انفجار كبير.
قصص كل يوم
الدنيا اسودت حواليها، صوتها اختفى من قوة الانفجار، لكن عقلها مشغول بس بشيء واحد: “هل يوسف بخير؟” قامت تجري في الشارع والدخان ملي المكان، وشافت الناس بتصرخ وبتساعد المصابين، مشهد كأنه يوم القيامة.
بدأت تسأل بصوت متقطع: “حد شاف يوسف؟ في حد شاف ولد صغير؟” كان قلبها بيصرخ أكتر من صوتها، وقاللها حد: “يا حاجة، المصابين في المستشفى، إلحقي هناك.”
افتكرت إن أبو يوسف بيشتغل دكتور في المستشفى، وركبت عربية الإسعاف وفضلت تدعي إنه يكون كويس. ولما وصلت، شافت أبو يوسف ببدلته الخضرا وعينيه كلها حزن. من غير ما تقول حاجة، نطقت بس: “يوسف!” وهو على طول فهم.
بدأت رحلة البحث في كل زاوية وكل مكان في المستشفى، وهي بتوصف يوسف: “سبع سنين، شعره كيرلي وأبيض زي القمر.” لكن التعب سيطر عليها، وقعدت على كرسي تتأمل حياتها وحياة يوسف، اللي كان بالنسبة لها هدية من السماء. في لحظة صعبة سمعت صوت أبو يوسف بيناديها بصوت محروق، فهمت إنه شافه، حاولت تكذّب نفسها وتقول: “يمكن مايكونش هوّ!”، لكنها حست في قلبها إن لحظة النهاية جات.
كل حاجة انتهت في لحظة، وسابوها عشان تحتفظ بصورة يوسف في خيالها، الطفل الأبيضاني اللي بشعره الكيرلي كان بيملالها حياتها فرحة وسعادة، وكانت بتشوف فيه كل أملها وفرحتها، لكن يوسف مات جعان، وهي مش قادرة تشبعه ولا تحميه، راحت تحضنه بعد ما مشوهته الصواريخ. حاولت تتكلم، بس حزن الأم أكبر من الكلام، أكبر من كل حاجة.
الجدة خدت نفس طويل، وسكتت شوية، والأحفاد بصين لها في عيونها، مستنيين الكلمة اللي بعدها. رفعت عينيها للسما وقالت: “عارفين يا ولادي، الحرب دي ما بتاخدش منا حاجة من غير ما تدينا بدالها أمل جديد، وما حدش من ولادنا يروح هدر، بالعكس، هما اللي هيفضلوا وقود الحرية، وقود التحرير، وهيرجعوا لبلادهم يوم ما، حاملين حلم العودة والأمل.”
Pingback: قصص حيوانات الغاية : الحصان الأصيل والحمار المغرور - Storys Today | قصص اليوم