حدوتة جدتي:قصة رحلة مع عم صالح
في صباح يوم الجمعة، وبينما كانت الشمس ترسل خيوطها الذهبية على شرفات العمارة، تجمّع الأطفال كعادتهم أمام المدخل.
لكن، على غير العادة، خرج إليهم عم صالح، بوّاب العمارة الطيب، بابتسامة واسعة ونظرة مليئة بالحيوية. قال لهم بحماس:
“إيه رأيكم نروح نتمشّى سوا ونشوف أماكن جديدة؟ وعندي لكم كمان شوية حكايات من زمان.”
في البداية، تردّد بعض الأطفال. فمثل هذه الدعوة لم تكن معتادة منهم أو من عم صالح. إلا أن حماس عم صالح، وصوته الودود، جذبهم سريعًا، خصوصًا أن والديهم كانوا يثقون فيه. وهكذا، بدأ الأطفال يلتفون حوله، كل واحد منهم يحمل فضولاً لا يمكن إخفاؤه.
أثناء الرحلة: مواقف مليئة بالدروس
بينما كانوا يسيرون في الشارع، توقفوا عند بائع الجرائد، فقال عم صالح:
“زمان، كنت بشتغل مع جدي في محل صغير للكتب. كنا بنفرح أوي لما حد يشتري كتاب. كان يومها القراءة لها طعم تاني.”
ثم أشار إلى الرصيف قائلاً:
“شايفين الرصيف ده؟ أنا ساعدت في رصفه لما كنت شاب. اشتغلت بيدي هنا… تحت الشمس والمطر… وكل ده علشان يبقى المكان آمن للناس.”
هنا، بدأ الأطفال ينظرون إلى الشوارع والأماكن المحيطة بطريقة مختلفة. فكل حجر أصبح له قصة، وكل شارع يحمل جزءًا من حياة عم صالح.
التوقف عند الحديقة: عمل جماعي وبهجة
بعد مسافة ليست بالقصيرة، وصلوا إلى حديقة صغيرة في نهاية الشارع. وهناك، بدأ عم صالح يوزع على الأطفال أكياسًا صغيرة لجمع الأوراق المتساقطة. قال لهم:
“يلا يا أبطال، نخلي الحديقة دي أحلى، ونرجّع لها روحها.”
وبالفعل، بدأ الأطفال في التنظيف، يضحكون ويتعاونون، وعم صالح يساعدهم هنا وهناك. وبعد الانتهاء، جلسوا جميعًا تحت ظل شجرة كبيرة، وبدأ عم صالح يحكي لهم قصة من أيام شبابه، حين كان يعمل في البناء، وكيف ساعد في بناء مدرسة قريته دون أن ينتظر أي مقابل.
الرسالة: احترام من يستحقون التقدير
خلال حديثه، قال عم صالح:
“يا أولاد، مش أي حد يلبس بدلة هو اللي يستحق الاحترام… اللي يتعب ويشتغل بإيده، ويخلي الناس تعيش في راحة، هو كمان بطل. يمكن ما يتصورش في الجرائد، لكن شغله باين في كل حتة حوالينا.”
تأثر الأطفال بكلماته، وبعضهم قال:
“إحنا ما كناش نعرف إنك عملت كل ده يا عم صالح!”
فردّ مبتسمًا:
“المهم إنكم دلوقتي عرفتوا، وكل ما تحترموا حد بسيط، افتكروا إن جواهم قصص عظيمة.”
عاد الأطفال إلى العمارة بقلوب مليئة بالتقدير، لمجرد بوّاب كانوا يرونه كل يوم دون أن يعرفوا حكاياته. بل، ومنذ ذلك اليوم، أصبحوا يلقون عليه السلام بحرارة، ويساعدونه كلما احتاج شيئًا، حتى أن أحدهم رسم له لوحة وكتب عليها: “شكراً يا عم صالح.”
وهكذا، لم تكن النزهة مجرد نزهة عادية. بل كانت رحلة إلى أعماق البساطة، واكتشاف لأبطال حقيقيين يعيشون بيننا دون أن ننتبه لهم. ومن خلال كلمات عم صالح، تعلم الأطفال دروسًا لا تُنسى: الاحترام، والعطاء، والامتنان لكل يدٍ تبني وتُسهم في حياتنا.