قصة مملكة الكلمات الضائعة

حدوتة جدتي:قصة مملكة الكلمات الضائعة

في قرية صغيرة تدعى “الحكايا”، عاش الناس بسلام، وكانت الكلمات تملأ الأجواء كما تملأ العصافير السماء. كان الجميع يتحدث بحرية، يعبرون عن أفكارهم ومشاعرهم، حتى جاء يوم غريب بدأ فيه الناس ينسون الكلمات شيئًا فشيئًا.

لم يعد بإمكان الأطفال أن يقولوا “أحبك” لأمهاتهم، ولم يعد الأصدقاء يستطيعون تبادل الحديث. أصبحت القرية صامتة، كأنها فقدت روحها.

كان “نور” فتى ذكيًا ومحبًا للقصص، لكنه لاحظ أن حتى الكتب بدأت تفقد حروفها، وكأن الكلمات تتبخر من الصفحات. لم يستطع تحمل الأمر، فقرر البحث عن سبب هذا الاختفاء الغامض. بدأ يسأل الجميع، لكن لم يكن لدى أحد إجابة، لأنهم ببساطة لم يستطيعوا التعبير عما يحدث!

في إحدى الليالي، بينما كان نور يتجول في المكتبة القديمة، وجد مخطوطة قديمة مكتوبة بلغة شبه منسية. بمساعدة القليل من الكلمات التي تبقت لديه، فهم أن هناك ساحرًا يدعى “سيد الصمت” كان يجمع الكلمات ويخفيها في كتبه السحرية، لأنه كان يعتقد أن الكلمات تسبب المشكلات بين الناس. قرر نور أنه لا يمكن السماح لهذا الساحر بأن يسلبهم أصواتهم!

توجه نور إلى الغابة السوداء، حيث يُقال إن الساحر يعيش في برج مظلم. في طريقه، واجه تحديات غريبة، حيث حاولت الأشجار التحدث إليه لكنها لم تستطع إلا بإصدار أصوات غير مفهومة. ثم وجد نهرًا كان يُفترض أن يُغني كما كان في الماضي، لكنه لم يكن يصدر سوى همهمات غير واضحة.

عندما وصل إلى البرج، وجد نور بابًا ضخمًا يحمل نقوشًا غريبة. لاحظ أن بعض الحروف مفقودة، وعندما حاول نطق كلمة “افتح”، لم تخرج من فمه أي كلمة! أدرك أن عليه العثور على الكلمات المسروقة ليستعيد صوته.

مواجهة سيد الصمت

داخل البرج، وجد نور غرفة مليئة بالكتب التي كانت تصدر همسات خافتة، وكأن الكلمات تحاول الفرار. في وسط الغرفة، وقف سيد الصمت، رجل عجوز ذو لحية طويلة وعينين مليئتين بالحزن.

قال له نور، بصعوبة، مستخدمًا الكلمات القليلة التي تبقت:
“لماذا تفعل هذا؟ الناس بحاجة إلى الكلمات ليعبروا عن أنفسهم!”

نظر إليه الساحر بحزن وقال:
“الكلمات تسبب الألم، لقد رأيت الكثير من الناس يجرحون بعضهم بالكلمات القاسية. أردت أن أجعل العالم مكانًا أكثر هدوءًا.”

لكن نور أجابه بحكمة:
“الكلمات ليست هي المشكلة، بل طريقة استخدامها. يمكننا تعليم الناس كيف يستخدمونها بلطف!”

تأثر الساحر بكلام نور، وقرر منحه فرصة. أعطاه مفتاحًا ذهبيًا، وقال له:
“إذا كنت تؤمن أن العالم يحتاج إلى الكلمات، افتح هذا الكتاب وأطلقها.”

عودة الكلمات إلى العالم

فتح نور الكتاب الذهبي، وانطلقت منه ملايين الأحرف والكلمات، عائدة إلى الناس. عاد الجميع يتحدثون، يضحكون، ويعبرون عن مشاعرهم. أدركوا أن الكلمات ليست مجرد أصوات، بل هي وسيلة للتواصل، للحب، وللتفاهم.

عاد نور إلى قريته بطلًا، وعرف الجميع أن الكلمات ليست مجرد حروف، بل قوة عظيمة يجب استخدامها بحكمة.