حدوتة جدتي:قصة موبايل والدي لا يفارق يديه
في كل مساء، وبعد انتهاء يومه الدراسي، كان “سيف”، الطفل البالغ من العمر تسع سنوات، ينتظر لحظة عودة والده إلى المنزل بفارغ الصبر. إذ كان يتمنى قضاء بعض الوقت الممتع معه، سواء باللعب أو الحديث عن أحداث يومه في المدرسة. إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا.
فبمجرد دخول والده المنزل، كان يتجه مباشرة إلى الأريكة، يمسك بهاتفه المحمول، ويغرق في عالمه الافتراضي لساعات طويلة.
ومع مرور الأيام، بدأ سيف يشعر بالحزن، إذ لاحظ أن الهاتف المحمول بات يشغل والده عنهم بشكل دائم. وعلى الرغم من محاولات والدته المتكررة للفت انتباه الأب، إلا أن ردّه كان دائمًا: “أنا مشغول بالعمل، دقائق فقط وسأنتهي”.
غياب التواصل العائلي بسبب الهاتف
بطبيعة الحال، لم يكن سيف يصدق هذا التبرير بالكامل، خاصةً وأنه كان يرى بعينيه أن والده يقضي وقته يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو يشاهد مقاطع الفيديو، أو يتبادل النكات مع أصدقائه. ومن هنا، بدأ يشعر بأن وجوده لم يعد مهمًا، وأن الهاتف أصبح يحتل مكانة أكبر في حياة والده.
على سبيل المثال، في أحد الأيام، عاد سيف من المدرسة حاملاً شهادة تفوّق، فرِحًا بإنجازه. ركض نحو والده ليريه الشهادة، ولكن والده لم يرفع حتى رأسه، واكتفى بقول: “أحسنت يا بني”، دون أن ينظر أو يبدي أي تفاعل.
اتخاذ قرار حاسم بطريقة مختلفة
في تلك الليلة، جلس سيف في غرفته، يفكر طويلًا. فقد أدرك أنه لا يستطيع الاستمرار في الشعور بالإهمال، ولكنه في الوقت ذاته، لا يرغب في التحدث بشكل مباشر قد يغضب والده أو يحرجه. وبعد تفكير عميق، قرر أن يكتب رسالة صادقة، يعبّر فيها عن مشاعره بوضوح.
وبالفعل، كتب في ورقة صغيرة:
“أبي العزيز،
أنا أحبك كثيرًا، ولكنّي حزين لأنك لا تقضي وقتًا معنا مثل السابق. أشعر أحيانًا أن هاتفك أهم مني. أفتقد حديثنا ولعبنا معًا. أتمنى فقط أن تنظر لي قليلًا، أن تسمعني، وأن نضحك كما كنا نفعل من قبل.
ابنك المحب: سيف.”
وبعد أن انتهى من كتابة الرسالة، طواها ووضعها في مظروف صغير، ثم دسّها داخل حقيبة والده دون أن يخبر أحدًا.
في اليوم التالي، عاد والده من العمل كعادته. لكن، وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، لم يحمل هاتفه بيده. بل نادى على سيف بصوت دافئ، قائلاً: “تعال نلعب سويًا يا بني… اشتقت لك كثيرًا.”
تفاجأ سيف من رد فعل والده، وتردد للحظات، ثم قال: “بابا، أنت مش ماسك موبايلك؟”
فأجابه والده بابتسامة حنونة: “قرأت رسالتك يا سيف… ولم أتمالك نفسي. أنت على حق، وآن الأوان أن أُغيّر هذا الأمر.”
منذ ذلك اليوم، بدأ الأب يخصص وقتًا يوميًا خاليًا تمامًا من أي شاشات أو أجهزة. جلسات العائلة أصبحت أكثر دفئًا، والضحكات عادت إلى المنزل. لقد أدرك الأب، بفضل رسالة بسيطة، أن وقته مع أسرته لا يقدّر بثمن، وأن الهاتف، مهما كانت أهميته، لا يجب أن يعطل الحب الحقيقي والتواصل الأسري.