حدوتة جدتي: قصة “يحيى” والليلة الأولى خارج المنزل
كان يحيى طفلًا هادئًا، ذكيًا، ومحبًا لعائلته بشدة. منذ صغره، اعتادت والدته أن تكون بجانبه في كل لحظة. إذا ذهب إلى الحضانة، كانت تنتظره بالخارج، وإذا مرض، كانت تسهر بجانبه طوال الليل. وبمرور الوقت، بدأ يحيى يعتمد على وجود والدته في كل تفاصيل يومه.
في البداية، لم يكن الأمر مقلقًا. لكن مع تقدّمه في العمر، بدأت تظهر بعض السلوكيات التي تعكس خوفًا واضحًا من الاستقلال. فعلى سبيل المثال، كان يرفض الذهاب إلى النادي بمفرده، ويرفض تمامًا فكرة المبيت عند أحد أقاربه، حتى وإن كان يحبهم.
ظهور المشكلة: الخوف من خوض تجربة جديدة
في أحد الأيام، اقترحت عمة يحيى أن يبيت لديها ليلة واحدة ليلعب مع أبناء خالته، خصوصًا أنهم يحبونه وينتظرون زيارته منذ زمن. فرحت الأم بالفكرة، إذ رأت فيها فرصة ليبدأ يحيى أول خطوة نحو الاستقلال.
ولكن، ما إن سمع يحيى بالاقتراح، حتى تغيرت ملامحه. قال بخوف واضح:
“لا أقدر! ماذا لو احتجت شيئًا ولم تكن ماما معي؟ ماذا لو أردت النوم في حضنيها؟”
رغم محاولات الإقناع العديدة، أصر يحيى على الرفض. حتى أنه بكى بشدة، وظل يكرر: “أنا لا أستطيع، أنا أخاف!”
أسباب الاعتماد الزائد على الأهل
في الحقيقة، إن الاعتماد المفرط على الأهل لا يحدث فجأة. بل هو نتيجة تراكمات تبدأ منذ الطفولة. فعندما لا نتيح للطفل فرصة ليواجه مواقف بسيطة بمفرده، فإنه يشعر دائمًا أن وجود الأهل هو الضمان الوحيد للأمان.
علاوة على ذلك، فإن كثرة التدخل في شؤونه، وتلبية كل رغباته بسرعة، تجعله يعتقد أن العالم الخارجي مخيف، وأنه لا يستطيع التعامل معه دون دعم مباشر من والديه.
الحل التدريجي: كيف نواجه الخوف من التجربة؟
قررت والدة يحيى أن تتبع أسلوبًا تدريجيًا. فبدلًا من الضغط عليه، بدأت بالتحفيز الإيجابي.
أولًا، تحدثت معه عن فوائد تجربة المبيت خارج المنزل. ثم، عرضت عليه أن يذهب إلى النادي مع ابن خالته، ولكن بشرط أن تدخل معه فقط في البداية وتجلس قليلًا بعيدًا عنه.
ثانيًا، بدأت تمنحه فرصًا صغيرة للاستقلال، مثل أن يطلب طعامه من المطعم بنفسه، أو أن يحمل حقيبته دون مساعدة.
مع الوقت، شعر يحيى بثقة أكبر. وبشكل مفاجئ، وافق على المبيت ليلة واحدة لدى عمته، ولكن بشرط أن تتصل به والدته قبل النوم.
مرت الليلة بسلام، وعاد يحيى في اليوم التالي بابتسامة واسعة. قال: “كنت خائف، لكنهم كانوا طيبين جدًا، ولعبنا كثيرًا، واتصلتِ بي مثلما وعدتِ!”
هكذا، بدأت رحلة جديدة في حياة يحيى. أصبح يذهب إلى النادي أحيانًا دون مرافقة، وأصبح يطلب من والدته أن تتركه يلعب مع أصدقائه وحده.
التوازن هو المفتاح
في النهاية، لا يمكننا فصل الطفل عن والديه فجأة، ولكن في الوقت نفسه لا يجب أن نبقيه مرتبطًا بنا طوال الوقت. التوازن بين الأمان والاستقلال هو السر الحقيقي في بناء شخصية قوية وواثقة.
وختامًا، إذا كنت ولي أمر، تذكّر أن دعم طفلك لا يعني أن تفعل كل شيء بدلًا عنه، بل أن تعلّمه كيف يفعل الأشياء بنفسه، وأن تؤمن به حتى يتعلم أن يؤمن بنفسه.