قصص تربية اطفال : حكايات الجدة نوال.

(حكاية تحكيها جدة لبناتها، عشان يعرفوا إمتى يقولوا “آه”، وإمتى يفهموا “ليه؟”)
في ليلة هادية، بعد ما الأطفال ناموا، قعدت “تيتا نوال” مع بناتها في الصالة، وكل واحدة فيهم كانت ماسكة كوب شاي ومليانة أسئلة وتعب من دوشة اليوم.
ابتسمت الجدة، وقالت:
“يا حبايبي، فاكرة أول ما جبتوا أولادكم؟ كانوا بيعيّطوا شوية ونسكتهم بالحضن… دلوقتي؟ بيصرخوا، يضربوا، يرفضوا أي حاجة تقولولها، وكلمة (عنيد) بقت على لسانكم كل يوم.
بس اسمعوا مني… العناد مش دايمًا عناد.” ردو في نفس واحد : يعني ايه يا ماما ؟!
هتفهمو لما احكيلكم قصة “سيف”…
الولد اللي كل الناس قالت عليه عنيد
كانت لسه الساعة 8 الصبح، والشمس لسه بتتحرك على استحياء من ورا الشباك، لما قامت ندى من على السرير وهي بتسمع صوت سيف، ابنها عنده سنتين ونص، بيعيّط بصوت عالي جوه الأوضة.
دخلت عليه وهي بتتنهّد، “إنت صحيت بدري كده ليه بس يا سيف؟”
لكن سيف، كالعادة، ما كانش مهتم بالكلام… كان واقف قدام الدولاب، بيحاول يفتح الباب، وبيقول بصوته الصغير:
“مش عايز البلوزة دي… عايز البانطلون اللي فيه طيارات!”
ندى حاولت تهدي الموقف، “يا حبيبي ده مش مناسب للجو… الجو برد!”
رد وهو بيضرب برجله الأرض:
“عايزه! دلوقتي!”
وسكتش، سيف فضل يصرخ.
“ابنك عنيد!”
في اليوم ده، اتأخرت ندى على شغلها، واتصلت بمامتها، تحكيلها كالمعتاد:
“يا ماما، سيف بيخليني أعيّط كل يوم… بيصحي من النوم عايز كل حاجة تمشي على مزاجه، بيصوّت وبيزن، ومابيقتنعش بأي حاجة… أنا تعبت! ابني عنيد.”
الأم ردّت، بهدوء الناس اللي شافوا أيام:
“لا يا بنتي… سيف مش عنيد، ده بيتمرّن.”
ندى استغربت، “يتمرن؟!”
ردت أمها:
“أيوه… بيتمرّن إنه يبقى إنسان. في السن ده يا ندى، الطفل بيكتشف إنه ليه شخصية، ليه رأي… فكل لأ بيقولها هي تمارين على إنه يبقى مستقل.”
اللي محدش قالهولنا عن “العناد”
في الليل، بعد ما نام سيف، قعدت ندى على الكنبة، بتقلب في الموبايل، ووقعت على مقال بيقول:
“الطفل في عمر السنتين والتلاتة مش عنيد… هو بيتعلّم يقول (أنا). بيتمرّن يختار، يعبر، يرفض، يقول لأ.
المشكلة مش فيه… المشكلة فينا، لما بنتعامل معاه كإنه بيحاربنا، مش كإنه بيحاول يفهم الدنيا.”
الكلام ده خبط ندى في قلبها.
“معقول كل ده طبيعي؟ وأنا اللي كنت حاسة إني فشلت في تربيته؟”
المعركة اللي حصلت في السوبر ماركت
تاني يوم، خدت سيف ونزلوا يشتروا شوية حاجات من السوبر ماركت. أول ما دخلوا، شد إيده من إيدها وجري ناحية الرف اللي عليه الشوكولاتة.
“عايز دي! دلوقتي!”
“لأ يا سيف، مش كل مرة!”
“عايزهااااااا!”
بدأ يصوت، وقعد على الأرض.
كل العيون اتجهت لندى… واحدة بصت لها بتعاطف، وواحدة تانية همست للي جنبها:
“العيال بقت قليلة الأدب.”
بس ندى، لأول مرة، خدت نفس عميق، وقررت تنفّذ اللي قريته.
ركعت عنده، وقالت بهدوء:
“أنا شايفة إنك متضايق… بس مش هينفع ناخد الشوكولاتة دلوقتي. لما نوصل البيت، هتاخد تفاحة حلوة وتحكيلك قصة.”
سيف فضل يعيط… لكنها ما زعقتش، ولا صرخت. شالته، وخرجت به.
الهدوء اللي بيغيّر المعركة
اليوم ده كان مختلف.
لأول مرة، ندى ما انهارتش… ما حسّتش إنها محتاجة تكسب “المعركة”.
هي بس فهمت إن ابنها مش بيتمرّد، هو بيعبّر.
وفهمت كمان إن الحل مش في تنفيذ طلباته، ولا في الصريخ عليه…
الحل في التكرار، والثبات، والصبر.
خطوات صغيرة… بس بتغيّر
من ساعتها، ندى بدأت تغيّر شوية حاجات:
بقيت تحط قواعد بسيطة في البيت: وقت للأكل، وقت للعب، وقت للراحة.
لما يقول “لأ”، ما بتنهارش… بتفهم هو عايز إيه، وبتشرح له “ليه لأ”.
لما يعمل سلوك كويس، بتفرح بيه، وتشكره.
ولما يزنّ أو يعيط من غير سبب، بتسيبه شوية، لحد ما يهدى.
والأهم… ما بقتش تحس بالذنب، لما ترفض له حاجة.
النتيجة؟
بعد شهور من الثبات…
سيف بقى يسمع الكلام أكتر.
بقى يعرف يقول “أنا زعلان” بدل ما يصرخ.
بقى يطلب الحاجة بلُطف… وأوقات، لما ندى تقول “لأ”، بيزعل شوية، بس ما بيعيطش.
ندى لسه بتتعلم… وسيف كمان.
بس دلوقتي، كل مرة يقول “لأ”، ندى بتضحك وتقول:
“حبيبي بيتمرّن… وهيعدي.”
“وأخيرًا…”
ضحكت الجدة وقالت:
“العند اللي بيخلي ابنك يصرّ على حاجه النهارده،
هو نفسه اللي هيخليه يصرّ على النجاح بعدين،
لو عرفتِ توجّهيه صح.”