حدوتة قبل النوم:قصة المرآة التي تريك نفسك من الداخل
في إحدى عطلات الصيف، قرر الطفل “آدم” أن يقضي عدة أيام في منزل جده الريفي الواقع على أطراف المدينة. وبالرغم من أنه لم يكن متحمسًا كثيرًا لتلك الزيارة، نظرًا لعدم توفر الإنترنت أو الألعاب الحديثة، إلا أنه لم يكن يعلم أن هذه الإجازة ستغير نظرته إلى نفسه والعالم من حوله.
الاكتشاف الغامض: المرآة القديمة في العلية
في اليوم الثاني من إقامته، وبينما كان آدم يتجول في أرجاء المنزل بحثًا عن شيء يلهيه، قرر الصعود إلى العلية حيث تخزن الأشياء القديمة. هناك، لفت نظره شيء غريب: مرآة طويلة مغطاة بقماش أحمر سميك. وبدافع الفضول، أزاح القماش ببطء ليكتشف أنها مرآة ذات إطار خشبي منقوش بطريقة مميزة، لكنها لم تكن مرآة عادية على الإطلاق.
فعندما نظر آدم إلى صورته، لم يرَ وجهه فقط، بل رأى صورًا أخرى تجسد مشاعره الداخلية. إذ رأى نفسه حزينًا، ثم خائفًا، ثم غاضبًا، ولكن بعد ذلك ظهرت صور أخرى تُظهره وهو يبتسم، ويقدم المساعدة، ويتحدث بشجاعة. لقد كانت المرآة تعرض له حالته النفسية بدقة لم يعهدها من قبل.
ماذا تعني هذه الصور؟
في البداية، شعر آدم بالارتباك والخوف. إذ لم يستوعب كيف يمكن لمرآة أن تكشف ما يشعر به بداخله. ومع ذلك، دفعه فضوله للوقوف أمامها أكثر من مرة، محاولًا فهم الرسائل التي تعكسها.
وبينما كانت الصور تتغير، بدأ يتذكر مواقف مرّ بها مؤخرًا؛ منها موقف تعرض فيه للسخرية من زميل له، وموقف آخر شعر فيه بالفخر عندما ساعد أحد أصدقائه. حينها، بدأ يدرك أن هذه المرآة تساعده على رؤية نفسه بشكل أعمق، بعيدًا عن المظهر الخارجي.
هرع آدم إلى جده ليخبره عن تلك المرآة الغريبة. ابتسم الجد وقال بهدوء:
“يا بني، هذه المرآة ليست كأي مرآة. إنها مرآة الذات. وجدتها منذ زمن بعيد، وهي تظهر لك حقيقتك من الداخل، لا من الخارج. كل من ينظر فيها يرى مشاعره، مخاوفه، وحتى شجاعته، بشرط أن يكون صادقًا مع نفسه.”
وأضاف الجد قائلاً: “أحيانًا، نعتقد أن علينا إخفاء مشاعرنا، لكن الحقيقة أن الفهم والتعبير عنها هو ما يجعلنا أقوى.”
نقطة التحول: بداية التغيير
منذ ذلك اليوم، أصبح آدم يزور العلية كل صباح، يقف أمام المرآة، ويتأمل ما يراه. ومع مرور الوقت، تعلم كيف يُفرّق بين مشاعره المختلفة، وكيف يتعامل معها بشكل صحي. بل وأصبح يكتب يومياته، ويدوّن ما شعر به خلال اليوم، مما ساعده على بناء علاقة أقوى مع نفسه.
وهكذا، لم تعد المرآة فقط أداة لاكتشاف الذات، بل أصبحت نافذة نحو التطور الشخصي.
عندما انتهت أيام العطلة، وقبل أن يعود آدم إلى منزله، طلب من جده أن يأخذ المرآة معه. إلا أن الجد ابتسم وقال له:
“يا آدم، لقد اكتشفت مرآتك الحقيقية، وهي في داخلك. لم تعد بحاجة إلى هذه المرآة، لأنك أصبحت ترى نفسك بوضوح.”
منذ ذلك الحين، أصبح آدم أكثر ثقة، وأكثر فهمًا لنفسه، وأكثر قدرة على تقبل الآخرين. فقد تعلم الدرس الأهم: أن معرفة الذات هي الخطوة الأولى نحو السلام الداخلي.