قصة رحلة بلا صور: كيف اكتشفت سارة سحر اللحظة

قصص وحكايات للأطفال:قصة رحلة بلا صور

بداية الحكاية

في صباح يومٍ مشمس، كانت سارة تستعد بحماس لرحلتها المدرسية المنتظرة إلى الحديقة النباتية. جهزت حقيبتها الصغيرة، ووضعت فيها زجاجة الماء، بعض الحلوى، ودفتر الملاحظات الجديد. وبينما كانت والدتها تناديها لتناول الإفطار، نسيت سارة شيئًا بدا في نظرها أهم ما في الرحلة: هاتفها المحمول.

عندما وصلت الحافلة إلى المدرسة، أدركت سارة فجأة أن هاتفها ليس معها. بحثت عنه سريعًا داخل حقيبتها، ثم تذكرت أنها تركته على مكتبها. في تلك اللحظة، غمرها شعور بالإحباط. كيف ستلتقط الصور؟ كيف ستوثّق اليوم المميز؟! حاولت أن تخفي حزنها، لكنها بقيت طوال الطريق صامتة، تراقب زميلاتها وهن يتحدثن عن الكاميرات، والتقاط “السيلفي”، ومشاركة اللحظات على مواقع التواصل.

ومع مرور الوقت، بدأت سارة تلاحظ شيئًا لم تكن تنتبه إليه من قبل. وبينما كانت صديقاتها مشغولات بالتقاط الصور، كانت هي تنظر حولها بتركيز شديد. رأت الفراشات ترفرف بلطف بين الزهور، ولاحظت الطيور تتنقل بين الأغصان، وشاهدت ظلال الأشجار ترقص على الأرض بفعل نسيم الصباح.

ومن الجدير بالذكر أن غياب الهاتف منحها فرصة فريدة لتعيش التفاصيل بالكامل. لم تعد تفكر في الزاوية المثالية للتصوير، أو الفلتر الأنسب، بل بدأت ترى كل شيء كما هو، دون أي تعديل أو تشويش.

خلال فترة الاستراحة، جلست سارة على العشب الأخضر، وأخذت تكتب في دفترها كل ما شاهدته وشعرت به. دونت مشهد الطفل الذي يركض خلف الفراشات، والجد الذي كان يقرأ بصوت منخفض لحفيده، حتى وصف الألوان والأصوات، عبّرت عنها بكلمات عفوية صادقة. وبينما كانت الأخريات منشغلات بنشر الصور والتعليقات، كانت سارة تغمرها سعادة داخلية لا توصف.

العودة إلى المدرسة

عند عودة الحافلة، بدأت الطالبات بمشاركة صورهن، وسألن سارة عن سبب غيابها عن التوثيق. بهدوء وثقة، أخبرتهن أنها لم تحضر هاتفها، لكنها سجلت كل لحظة في قلبها ودفترها. قرأت لهن بعض ما كتبت، وفوجئن بجمال الوصف ودفء المشاعر.

ففي حين كانت صورهن جميلة، إلا أن كلمات سارة نقلت إحساسًا أعمق وأكثر واقعية. أدركن حينها أن عيش اللحظة أحيانًا يفوق مئات الصور.

في اليوم التالي، اقترحت المعلمة أن تكتب كل طالبة “قصة الرحلة”. وفازت قصة سارة بأفضل نص، ليس لأنها كانت موثّقة بالصور، بل لأنها كانت موثّقة بالملاحظة والتأمل والإحساس.

ومن خلال هذه التجربة، فهمت سارة – وكذلك زميلاتها – أن اللحظات الثمينة لا تقاس بعدد الصور، بل بما نعيشه داخلها من مشاعر وانطباعات.

وهكذا، علمتنا سارة درسًا بسيطًا وعميقًا في الوقت ذاته:
أن نستمتع بالحاضر، نلاحظ التفاصيل، ونعيش اللحظة بكاملها، لا من خلال عدسة هاتف، بل من خلال عدسة قلوبنا.

فأحيانًا، تكون أفضل الصور هي تلك التي لا تلتقط، بل تحفظ داخل الذاكرة، صافية، صادقة، وخالدة.