قصة رسائل بلا عنوان

حدوتة قبل النوم:قصة رسائل بلا عنوان 

في إحدى المدن الصغيرة، كان يعيش طفل يُدعى سامي مع والدته وأخته الصغيرة، بينما كان والده يعمل في مدينة بعيدة. لم يكن غياب الأب سهلاً على سامي، فقد كان يحبه كثيرًا ويعتبره قدوته في الحياة.

في البداية، كان ينتظر مكالمات والده الهاتفية بشغف، يروي له كل ما حدث خلال يومه، لكن مع مرور الأيام، أصبحت هذه المكالمات أقل، وأصبح سامي يشعر بالوحدة أكثر.

ذات مساء، وبينما كانت الأم تحاول تهدئة ابنها الذي بدأ يسأل عن والده، قالت له:
“أعلم أنك تشتاق إليه، لكنه يعمل بجد من أجلنا جميعًا.”
لكن كلماتها لم تكن كافية لطمأنته، فهو لم يكن يحتاج فقط إلى معرفة أن والده يعمل، بل كان بحاجة إلى الشعور بوجوده معه، حتى ولو كان بعيدًا.

في أحد الأيام، وبينما كان سامي جالسًا في غرفته، خطرت له فكرة جديدة. لماذا لا يكتب لوالده كل يوم رسالة بدلاً من انتظاره؟ لكنه لم يكن يعلم كيف يمكنه إرسالها، لذلك قرر أن يحتفظ بها داخل صندوق خشبي صغير وجده في مخزن المنزل.

بدأ سامي بكتابة أول رسالة له:
“أبي العزيز، اليوم ذهبت إلى المدرسة، وكان لدينا يوم رياضي. تمنيت لو كنت هنا لتشاهدني وأنا أفوز في السباق. اشتقت إليك كثيرًا.”

مع مرور الأيام، تحوّل الصندوق إلى كنز من المشاعر، حيث كان سامي يكتب لوالده كل ليلة قبل النوم، يحكي له عن نجاحاته وإخفاقاته، عن لحظات الفرح والحزن، عن المرات التي كان يتمنى أن يكون والده بجانبه ليشاركه فيها.

في أحد الأيام، بعد أن كتب سامي رسالة حزينة لأنه شعر بالإحباط من امتحان لم يكن سهلاً عليه، جاءته والدته ووجدته متأثرًا. سألته:
“ما الذي يزعجك يا صغيري؟”
فأجابها:
“أتمنى لو كان أبي هنا ليقول لي إنني قادر على التحسن، ليشجعني كما كان يفعل دائمًا.”

ابتسمت الأم ومسحت على رأسه قائلة:
“أبوك يحبك كثيرًا، وهو بالتأكيد فخور بك حتى وإن لم يكن هنا ليقولها بنفسه.”

ورغم كلماتها المشجعة، استمر سامي في كتابة رسائله كل ليلة، حتى امتلأ الصندوق بالكامل.

عودة الأب والمفاجأة الكبيرة

بعد مرور عدة أشهر، عاد الأب أخيرًا إلى المنزل في زيارة طويلة، فهرع سامي إلى الباب ليحتضنه بقوة، وكأنه يريد تعويض كل الأيام التي افتقده فيها. أثناء ترتيب الغرفة، لاحظ الأب وجود صندوق خشبي موضوعًا بعناية بجوار سرير سامي، فسأل:
“ما هذا الصندوق يا بُني؟”

تردد سامي قليلًا، ثم قال بخجل:
“إنه مليء بالرسائل التي كتبتها لك عندما كنت بعيدًا.”

تفاجأ الأب وفتح الصندوق، وبدأ يقرأ الرسائل واحدة تلو الأخرى، وكلما قرأ واحدة، زادت دموعه تأثرًا. رأى مشاعر ابنه التي لم يكن يدرك مدى عمقها، شعر بحزنه حين كان بعيدًا، بفرحه حين كان يتمنى مشاركته لحظاته السعيدة، وبكل الحب الذي كان يفتقده.

اقترب من سامي، احتضنه بقوة وقال بصوت دافئ:
“لم أكن أعلم أنك تكتب لي كل هذا، سامحني يا صغيري، سأحاول أن أكون معك أكثر من الآن فصاعدًا.”

منذ ذلك اليوم، بدأ الأب بتخصيص وقت أطول لعائلته، حتى في أثناء سفره، كان يحرص على إرسال رسائل لسامي والاتصال به يوميًا. أما الصندوق، فقد أصبح رمزًا للحب والاشتياق، لكنه لم يعد بحاجة إليه، لأن والده أصبح حاضرًا في حياته أكثر من أي وقت مضى.