قصة قيمة حفظ النعمة: قصة ملهمة عن الامتنان والمسؤولية

حدوتة جدتي:قصة قيمة حفظ النعمة

في أحد الأحياء الهادئة، كان يعيش طفل يدعى “ياسين”، يبلغ من العمر 12 عامًا. نشأ ياسين في أسرة متوسطة الحال، وكان يعيش حياة مريحة نوعًا ما، حيث يجد الطعام في وقته، والماء متوفر، والملابس نظيفة، والتعليم مضمون.

كان ياسين يذهب إلى المدرسة كل صباح، وعند عودته، كانت والدته تنتظره بالغداء الساخن على الطاولة. بالرغم من وفرة الطعام، إلا أن ياسين كان كثيرًا ما يبقي طعامه دون أن يُكمله، بل وأحيانًا يرميه في سلة المهملات دون تفكير أو اكتراث.

ومع مرور الأيام، اعتادت الأسرة على سلوك ياسين غير الواعي، لكن الجد كان دائمًا يردد بنبرة حكيمة:
“من لا يحفظ النعمة، قد يفتقدها يومًا!”

ورغم تكرار الجملة، لم يكن لها أي تأثير حقيقي على عقل ياسين حتى جاء اليوم الذي غيّر كل شيء.
نقطة التحول: زيارة غير متوقعة
وذات صباح، أعلنت المدرسة عن رحلة إلى دار لرعاية الأيتام في أحد المناطق الفقيرة. في البداية، لم يكن ياسين متحمسًا، واعتبر الزيارة مملة، لكنه ذهب مع زملائه على أي حال.

عند وصولهم، استقبلهم الأطفال اليتامى بابتسامة دافئة وروح مرحة رغم بساطة المكان. لاحظ ياسين أن المكان يخلو من مظاهر الرفاهية التي اعتادها، فالغرف ضيقة، والملابس قديمة، والطعام بسيط جدًا.

ومع اقتراب وقت الغداء، جلس الجميع لتناول الطعام. فوجئ ياسين بأن الوجبات توزع بعناية شديدة، وأن كل طفل يتعامل مع الطعام كما لو كان كنزًا ثمينًا. لا أحد يترك لقمة، ولا أحد يشتكي.

حين سأل ياسين أحد المشرفين: “ليه الأطفال بيأكلوا كده؟”، أجابه المشرف بابتسامة مؤثرة:
“هنا، كل لقمة نحصل عليها تمثل نعمة نحمد الله عليها، ومش عارفين إذا كانت هتتكرر بكرة ولا لأ.”

لحظات من التأمل والندم

في طريق العودة، ظل ياسين صامتًا. عقله كان مزدحمًا بالأسئلة، وضميره بدأ يُراجع كل المرات التي رمى فيها بقايا الطعام، أو ترك صنابير المياه مفتوحة، أو تعامل باستهتار مع الأشياء.

وفي نفس الليلة، جلس مع جده وحكى له كل ما حدث. حينها، قال له الجد:
“الحكمة مش بس في إنك تشوف النعمة، لكن في إنك تعيش معاها باحترام.”

التحول: بداية جديدة

منذ ذلك اليوم، تغيّر سلوك ياسين تمامًا. بدأ يُنهي طعامه بالكامل، ويغلق صنبور المياه فورًا بعد الاستخدام، ويطفئ الأنوار في الغرف الفارغة. لم يكتفِ بذلك، بل بدأ أيضًا مشروعًا بسيطًا في مدرسته بعنوان: “نحافظ على النعمة”.

نشر الفكرة بين زملائه، وبدأ يجمع معهم بقايا الطعام النظيفة لتوزيعها على الفقراء. كما أقنع المدرسة بوضع لافتات توعوية داخل الفصول والمقصف.

لماذا يجب أن نحفظ النعمة؟

في الواقع، حفظ النعمة لا يقتصر فقط على الطعام. فكل ما نملكه من ماء، كهرباء، وقت، صحة، وحتى علاقات، هو نعمة تستحق التقدير. عندما نحافظ على هذه النعم، نُظهر شكرنا لله، ونُساهم في بقاء الخير مستمرًا.

من جهة أخرى، التبذير لا يعبر عن الثراء، بل عن ضعف الوعي، وقد يكون سببًا في زوال النعمة عاجلًا أو آجلًا.

موقف مفاجئ: الامتحان الحقيقي

بعد مرور عدة أشهر، تعرض الحي الذي يسكن فيه ياسين لانقطاع مفاجئ في الكهرباء والمياه استمر يومين كاملين. شعر الجميع بالضيق، لكن ياسين كان الوحيد الذي تعامل مع الموقف بهدوء، وبدأ يُساعد أسرته في جمع المياه، وترتيب الأمور داخل البيت لتقليل الاستهلاك.

قالت والدته:
“ياسين بقى قد المسؤولية فعلاً… يمكن أكتر مننا!”

وهكذا، تعلم ياسين درسًا لن ينساه أبدًا. فقد أدرك أن النعمة ليست مضمونة، وأن شكرها لا يكون بالكلام فقط، بل بالفعل والسلوك. ومن هنا، أصبحت قيمة حفظ النعمة جزءًا لا يتجزأ من شخصيته، وسعى لنشرها في محيطه.
في النهاية، تذكّر دائمًا:
“النعمة التي لا تُشكر… تُغادر بصمت.”