قصة ملف الموظف رقم 17
المشهد الأول: بداية مختلفة
في صباحٍ هادئ من أيام شهر أبريل، دخل المدير الجديد إلى مقر الشركة العريقة التي تجاوز عمرها نصف قرن. كان يحمل بين يديه ملفًا ضخمًا يضم أرشيف الموظفين.
ورغم أن هدفه الأساسي كان إعادة هيكلة الفريق، إلا أن شيئًا ما جذبه نحو الملفات القديمة، تلك التي اعتاد المديرون السابقون تجاوزها دون اهتمام.
وبينما كان يتنقل من اسمٍ إلى آخر، توقف فجأة عند ملف بسيط، خالٍ من أي ملحقات، لا يحمل سوى رقم: “17”.
المشهد الثاني: السطور التي لم تُكتب
فتح المدير الملف بدافع الفضول، فوجده يتبع عامل أمن يُدعى “سالم أحمد”. لا توجد فيه أي ملاحظات سلبية، ولا طلبات ترقية، ولا حتى شهادات شكر.
ومع ذلك، كان أكثر ما لفت انتباه المدير هو خانة الحضور والانصراف. فخلال ثلاثين عامًا كاملة، لم يُسجَّل غياب واحد. لا تأخير، لا إنذار، ولا حتى إجازة طارئة.
في البداية، اعتقد المدير أن هناك خطأً إداريًا، لكن بمزيد من التحقق، وجد أن كل البيانات صحيحة.
وهنا، بدأ يتساءل:
كيف لرجل أن يحضر يوميًا، طوال هذه السنوات، دون أن يُطالب بشيء؟ دون أن يُذكر؟ دون أن يُكافأ؟
المشهد الثالث: لقاء الصمت الطويل
في اليوم التالي، طلب المدير مقابلة “سالم”. دخل الرجل الستيني بخطى ثابتة، يحمل ملامح الوقار والتعب الشريف.
وبنبرة هادئة قال:
– “أفندم، هل هناك شيء يخص عملي؟”
أجابه المدير مبتسمًا:
– “في الحقيقة، أردت فقط أن أقول: شكرًا.”
توقف الزمن لوهلة. لم يفهم سالم ما المقصود، فالصمت كان رفيقه طوال سنوات عمله.
ثم أضاف المدير:
– “لم أرك في تقارير الأداء، لم أسمع صوتك في الاجتماعات، لكني وجدتك حاضرًا، دائمًا، بلا تقصير.”
حينها فقط، رفع سالم عينيه وقال جملة واحدة:
– “أنا لم آتِ لأكون معروفًا، بل لأؤدي الأمانة.”
المشهد الرابع: تكريم في زمنٍ لا يتذكّر
مع اقتراب عيد العمال، قرر المدير أن يُحدث شيئًا مختلفًا. ففي الاحتفال السنوي، وبعد خطابات المعتادين على المنصة، طلب من الجميع الصمت.
ثم أعلن، أمام جميع العاملين:
“اليوم، لا نكرّم من تكلّم كثيرًا، بل من صمت كثيرًا وعمل أكثر. نكرّم رجلًا هو مثال للالتزام والوفاء… نكرّم الملف رقم 17… السيد سالم أحمد.”
وقف سالم، مرتبكًا من التصفيق الحاد، لكن عينيه لم تخفيا الدموع. لقد انتظر ثلاثين عامًا لا لشيء، سوى أن يُقال له: “لقد رأيناك.”
المشهد الأخير: الرسالة التي بقيت
بعد انتهاء الحفل، كتب المدير على لوحة الشرف:
“الوفاء لا يصنعه المنصب، بل الضمير.”
ومنذ ذلك اليوم، صار العاملون يمرّون أمام اسم “سالم” بشيء من الفخر، وكأنهم تذكّروا أن الشرف في العمل لا يُقاس بالصخب، بل بالاستمرارية في الصمت النبيل.
قصة ملف الموظف رقم 17