قصص اطفال : الكارثة قد تأتي أحيانا بالحب والتعاون والتكافل

قصص اطفال : الكارثة قد تأتي أحيانا بالحب والتعاون والتكافل.

التسجيل في مبادرة براعم مصر الرقمية

قصص اطفال : الكارثة قد تأتي أحيانا بالحب والتعاون والتكافل
قصص اطفال : الكارثة قد تأتي أحيانا بالحب والتعاون والتكافل

 

عندما هبّت العاصفة… أنقذهم طفل

في أحد أيام الشتاء، وبينما نامت الإسكندرية على صوت المطر، استيقظت فجأة على هديرٍ مرعب. لم تكن مجرد أمطار عادية، ولم تكن عاصفة خفيفة تمر سريعًا. هبّت العاصفة، واجتاحت المدينة كما لو أن البحر قرر أن يثور على اليابسة. ارتفعت الأمواج، وانقطعت الكهرباء، وتعطلت الطرق، وغرقت الشوارع في دقائق معدودة.

لكن وسط الفوضى والبرد والرعب، برز وجه صغير يشع بالحياة، طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، اسمه “زياد”.


زياد… الوجه المضيء وسط العتمة

عرف الجيران زياد بضحكته الدائمة وصوته العالي في لعب الكرة. لم يحمل يومًا هاتفًا غاليًا، ولم يطلب شيئًا من أحد، لكنه امتلك شيئًا أهم: قلبًا مليئًا بالحب. عاش زياد في حي شعبي قريب من البحر، حيث البيوت متلاصقة والناس يعرفون بعضهم بالاسم. وفي يوم العاصفة، قرر زياد ألا يختبئ مثل الآخرين.

بينما اختبأ الكبار خلف النوافذ، خرج زياد مرتديًا معطفًا قديمًا، وحذاءً بلا أربطة، وبدأ يتحرك بين البيوت. ساعد جارته العجوز على إغلاق النافذة، ثم حمل كيس الخبز الذي سقط في الوحل، وذهب ليطمئن على أسرة مكونة من أم وثلاثة أطفال، بعد أن انكسر باب شقتهم بسبب الرياح.


العاصفة تكشف المعدن الحقيقي للناس

لم تكن العاصفة مجرد حدث جوي، بل اختبار حقيقي لقلوب الناس. واجه الجميع نفس التهديد، لكن ردود الأفعال اختلفت. البعض شعر بالخوف وانزوى، والبعض الآخر اتصل بالجهات المسؤولة وانتظر. أما زياد، فقد رأى أن الوقت لا يسمح بالانتظار، فبدأ يطرق الأبواب، ويسأل الجميع:
“مين محتاج حاجة؟”
“في حد كبير لوحده؟”
“في طفل بردان؟”

 

قصص جدتي : قصة أول يوم صيام

 

تحرك زياد بين الزقاق الضيقة. ساعد الأطفال على العبور، وحمل الشموع من محل قريب ووزعها على الشقق المظلمة. ومع كل خطوة، زاد إعجاب الناس به. بدأ الشباب يتبعونه، وانضم له خمسة أولاد من نفس الحارة. لم يطلب منهم شيئًا، لكنه ألهمهم بالتصرف.


التعاون الذي وُلِد من قلب العاصفة

في أقل من ساعة، تحوّلت مجموعته الصغيرة إلى فريق إنقاذ. صنعوا سترة نجاة من عبوات بلاستيكية، وسحبوا بها سيدة كانت محاصرة في سيارتها. استخدموا ألواح خشبية لعبور المياه، وطرقوا أبواب الغرباء بلا خوف.

في تلك الليلة، لم يسأل أحد عن ديانة زياد، أو فصله الدراسي، أو مستواه الاجتماعي. رأى الناس فيه رمزًا للنور، فاقتربوا منه، وأدركوا أن الكارثة لا تكسر البشر، بل تكشف من منهم يستحق أن يُسمى إنسانًا.


عندما تقود براءة الأطفال قلوب الكبار

لم يحمل زياد أي سلطة، ولم يكن يملك مالًا أو نفوذًا. ومع ذلك، قاد قلوبًا كثيرة. شجّع رجالًا كبارًا على الخروج من بيوتهم. جعل شباب الحي يتنازلون عن هواتفهم لتوفير الطاقة في جهاز الإضاءة. أقنع تاجر التموين أن يفتح مخزنه مجانًا لتوزيع الطعام على من تقطعت بهم السبل.

كل هذا حدث، لأن طفلًا قرر أن يبدأ. لم يلقِ اللوم على الدولة، ولم ينتظر عربة إغاثة، بل أخذ الخطوة الأولى، وفتح الباب للآخرين.


العاصفة تنتهي… لكن القصة تبدأ

مع بزوغ فجر اليوم التالي، تراجعت العاصفة. عاد البحر لهدوئه، وبدأت فرق الإنقاذ الرسمية في الانتشار. لكن الأهالي لم ينسوا ما فعله زياد. تحدث عنه الجميع، وانتشرت صورته في الصحف المحلية. عرضت عليه المدرسة منحة دراسية، وكرمته المحافظة، لكن زياد قال جملة واحدة فقط:

“أنا ما عملتش حاجة لوحدي… الناس كلها كانت محتاجة بس حد يبدأ.”


الدرس الحقيقي من قلب الإسكندرية

تُظهر لنا هذه القصة شيئًا أعمق من مجرد بطولة عابرة. الكارثة لم تكن فقط اختبارًا للطبيعة، بل كانت أيضًا فرصة لولادة مجتمع جديد. التكافل لم يكن قرارًا من جهة رسمية، بل فعلًا عفويًا بدأ من أصغر شخص في الحارة. زياد لم يكن يعرف معنى الكلمات الكبيرة مثل “التكافل” أو “المجتمع المدني”، لكنه جسّدها بفطرته.

قصة الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين

أحيانًا، تأتي الكوارث ومعها فرصة نادرة لإعادة اكتشاف أنفسنا. تزيل الغبار عن الأرواح، وتُخرج أفضل ما فينا. والجميل أن البطل الحقيقي قد يكون طفلًا لا ينتظر مقابلًا، فقط يفعل ما يراه صوابًا.


رسالة لكل قارئ

حين تهب العاصفة القادمة، اسأل نفسك:
هل ستختبئ؟
أم ستبحث عن شمعة؟
أم ستفتح الباب وتسأل جارك إن كان بخير؟

قد لا نكون كلنا أبطالًا خارقين، لكن يكفينا أن نبدأ… كما بدأ زياد.