قصص رمضانية : قصة رحلة إفطار غير متوقعة
المشهد الأول: الغربة التي تثقل القلب
لم يكن يتخيل مصطفى أن يكون أول رمضان له بعيدًا عن أهله بهذه القسوة. منذ أن وطأت قدماه هذه المدينة، كان يشعر بأنه مجرد رقم في زحام البشر. وعلى الرغم من محاولاته للتأقلم، إلا أن الغربة كانت أثقل مما توقع.
في الليلة الماضية، اتصل بأمه، التي سألته بحنان:
— “هتفطر إيه بكرة يا حبيبي؟”
أجاب محاولًا إخفاء مشاعره:
— “لسه مش عارف يا أمي، هشوف آخد حاجة من السوبر ماركت.”
لكن الحقيقة كانت أنه لم يكن لديه أي خطة، ولا حتى شهية.
المشهد الثاني: يوم طويل في الغربة
في اليوم التالي، انشغل مصطفى بالعمل أكثر من المعتاد، ربما ليهرب من فكرة الإفطار وحيدًا. وبينما كان الوقت يمر ببطء شديد، لاحظ أن المدينة بدأت تستعد للإفطار؛ المطاعم تمتلئ، ورائحة الطعام تتسلل من النوافذ المفتوحة. ومع ذلك، لم يكن له مكان في أي من هذه التجمعات.
وقبل دقائق قليلة من الأذان، أدرك أنه تأخر عن شراء الإفطار. حاول البحث عن مطعم مفتوح، لكن الجميع كانوا قد أوقفوا الخدمة استعدادًا للجلوس مع عائلاتهم. في هذه اللحظة، شعر بوحدة لم يعهدها من قبل، كأن الغربة قد أحكمت قبضتها على روحه.
المشهد الثالث: المائدة التي احتضنته
بينما كان يسير بلا هدف، لفت انتباهه صوت رجل ينادي:
— “تفضل يا بني، لسة في مكان على السفرة.”
نظر مصطفى ناحية الصوت، ليجد مائدة طويلة على الرصيف، مليئة بأشخاص لم يلتقِ بهم من قبل. كانت مائدة رحمن، يجلس حولها غرباء جمعهم رمضان رغم اختلافهم.
في البداية، تردد، لكنه في النهاية استجاب لدعوتهم وجلس. أحدهم قدم له طبقًا من التمر، وآخر سكب له كوبًا من الماء. وعلى الرغم من أنه لم يعرف أسماءهم، إلا أن دفء الترحيب كان كافيًا ليجعله يشعر وكأنه وسط عائلته.
المشهد الرابع: الدفء في قلوب الغرباء
عندما رفع الأذان، شعر مصطفى بشيء غريب في قلبه. لأول مرة منذ وصوله، لم يشعر بأنه وحيد. ربما كان بعيدًا عن أهله، ولكن في هذه اللحظة، كان محاطًا بأشخاص لا يعرفونه، ورغم ذلك شاركوه طعامهم وابتساماتهم كأنهم يعرفونه منذ سنوات.
وبينما كان يأكل، سأله رجل مسن بجانبه:
— “إنت جديد هنا؟”
أومأ مصطفى برأسه وقال بصوت خافت:
— “آه، أول رمضان لي بعيد عن أهلي.”
ابتسم الرجل بحنان وأجاب:
— “الغربة صعبة، بس رمضان بيجمع القلوب… حتى لو كانت متفرقة في بلاد بعيدة.”
كانت هذه الكلمات كافية لتزيح بعضًا من الحزن عن قلبه. أدرك مصطفى أن الغربة قد تبعده عن أهله، لكنها لن تحرمه من الدفء الإنساني الذي يخلقه رمضان في كل مكان.
المشهد الأخير: اتصال مليء بالمشاعر
بعد الإفطار، وقبل أن يعود إلى شقته الصغيرة، اتصل بوالدته. وبصوت دافئ قال:
— “ماما، فطرت مع ناس طيبين النهاردة، كانوا زي أهلي بالظبط.”
ضحكت أمه بسعادة، وردت:
— “عارفة يا مصطفى… الخير موجود في كل مكان، وإنت عمرك ما هتكون لوحدك طول ما قلبك طيب.”
في تلك الليلة، نام مصطفى وهو يشعر بشيء لم يشعر به منذ زمن… الطمأنينة.
قصة رحلة إفطار غير متوقعة