قصص وحكايات لأطفال : قصة لأنك أختي
المشهد الأول: همس الألم
في إحدى الليالي الهادئة، استلقت هبة على سرير المستشفى، وحدّقت في السقف بصمت. أصدرت الأجهزة المحيطة بها أصواتًا رتيبة، توحي بالاستقرار من الخارج، لكنها لم تُخفف شيئًا من الاضطراب الداخلي.
رغم ضعف جسدها، أدركت أن روحها تحمل التعب الأثقل.
ورغم الألم، شعرت بدفء خفي كلما ظهر اسم علا على شاشة هاتفها. اتصلت علا أكثر من مرة خلال اليوم، رغم انشغالها بظروفها الخاصة. ومع كل اتصال، أوصل صوتها المليء بالقلق طمأنينةً لهبة، خفّفت عنها جزءًا من ثقل المرض.
المشهد الثاني: انتظار لم يأتِ
في صباح اليوم التالي، انتظرت هبة رسالة من علا، أو اتصالًا بسيطًا، أو حتى كلمة تطمئن بها قلبها. لكن علا لم تتواصل معها طوال اليوم.
مرّ الوقت ببطءٍ قاتل، وكل دقيقة زادت من شعورها بالخذلان.
ومع اقتراب المساء، وازدياد شعورها بالوحدة داخل غرفة المستشفى، أمسكت هبة بهاتفها واتصلت بأختها. أرادت أن تشعر بقربها، ولو عن طريق الصوت.
لكن علا لم ترد. ولم تُرسل أي رسالة لتشرح غيابها.
في تلك اللحظة، شعرت هبة بثقل في صدرها لم يكن سببه المرض، بل خيبة أمل موجعة. احتاجت علا، لكنها لم تجدها. فازداد حزنها وزعلت منها بصدق… زعلًا لم تعرف كيف تعبّر عنه.
المشهد الثالث: الصمت المؤلم
مرّت الأيام التالية في هدوءٍ مؤلم. لم ترسل علا حتى رسالة قصيرة لتفسر ما حدث.
حاولت هبة أن تلتمس لها العذر، لكنها لم تستطع إيقاف أفكارها. تساءلت في داخلها:
“هل طلبت الكثير؟ أم أنني فقط كنت أحتاجها في لحظة واحدة؟”
تنازعت داخلها مشاعر مختلطة، بين عقل يبرّر، وقلب يعتب بصمت.
المشهد الرابع: لقاء الصفاء
وبعد عدة أيام، فتحت هبة عينيها لتجد علا تقف أمامها عند باب الغرفة. دخلت الأخيرة بخطوات بطيئة، وعيناها مليئتان بالندم. اقتربت من السرير، جلست بجانبها، وأمسكت يدها بحنان، ثم قالت بصوت منخفض:
“أنا آسفة يا هبة. تأخرت، لكن والله ما نسيتك لحظة. كنت بحاول أظبط أموري، بس فشلت… وأنا عارفة إني قصّرت.”
ثم أضافت، وعيناها تمتلئان بالدموع:
“الحب مش بعدد المرات اللي بتكلمي فيها حد، الحب الحقيقي بيبان لما بنخاف نزعل اللي بنحبهم… وأنا زعلت لأني كنت خايفة أكون جرحتك، لأني بجد بحبك، وأنتي أختي وأغلى من الدنيا كلها.”
المشهد الأخير: الغفران

نظرت هبة في عيني أختها، ولم تتحدث كثيرًا. كانت دموعها كافية لتقول كل ما لم تستطع التعبير عنه.
احتضنت علا بشوق، وكأن هذا العناق يعيد بناء ما تهدّم بينهما في الأيام السابقة.
في تلك اللحظة، فهمت كلتاهما أن الحب الحقيقي لا ينهار أمام غياب مؤقت، بل يعود أقوى حين يجد طريقه من جديد، ويعلن عن نفسه في لحظات الصفاء الصادق.
المشهد الأخير: ما تعلّمته القلوب
رغم أن اللحظة التي جمعت هبة بعلا كانت مشبعة بالدموع والصمت، إلا أن خلف ذلك العناق، كانت هناك دروس عميقة تنبت في الأرض الطيبة للقلوب.
إنه من الضروري، بل من الواجب، أن تبقى الأخوّة سندًا حقيقيًا في وقت الشدّة، لا في وقت الفرح فقط. إذ إن اللحظات المؤلمة، حين يشتدّ فيها الألم ويضيق الأفق، تكشف معدن القلوب، وتُظهر عمق العلاقة بين الإخوة.
ومن هنا، علينا أن ندرك أن تربية الأبناء لا تقتصر على التعليم والمأكل والملبس فقط، بل يجب – وبشكل متواصل – أن يحرص الوالدان على غرس قيم المحبة، والدعم، والتكافل بين الإخوة منذ الصغر.
فحين ينشأ الطفل وهو يرى أن أخاه أو أخته هم جزء من أمانه النفسي، وأنهم الملاذ في وقت الانكسار، فإن هذه المشاعر تكبر معه، وتتحول إلى روابط لا تُهزم مهما اشتدت الأيام.
كما أن الحب لا يكفي وحده، بل يجب أن يُترجم إلى أفعال، وإلى تواجد حقيقي وقت الحاجة. فالأخوة ليست فقط كلمات تُقال، بل مواقف تُعاش.
وهكذا، علّمتنا قصة هبة وعلا أن الغياب قد يوجع، لكن الرجوع الصادق قادر على الترميم. وأن القلب الذي يعاتب، هو قلب لا يزال يحتفظ بالمحبة… يبحث فقط عن دليل يؤكدها.
في النهاية، تظل الأخوّة نعمة عظيمة، تحتاج إلى وعي، وصبر، ومبادرة مستمرة لتبقى حيّة ودافئة، مهما مرّ الزمان.