قصص تربوية : قصة  “صوت صغير لا يُسمع”

قصص تربوية : قصة  “صوت صغير لا يُسمع”

المشهد الأول: بداية اليوم

في صباح يوم دراسي عادي، استيقظت ليلى ذات الثماني سنوات، وهي تحاول إخفاء ضيقها بابتسامة صغيرة.
وكالعادة، لم ينتبه أحد إلى عينيها الحزينتين، ولا إلى نبرتها المنخفضة وهي تقول:
“صباح الخير يا ماما، صباح الخير يا بابا.”

بينما كانت أمها تجهّز حقيبة المدرسة، كان والدها يراجع جدول الدروس، يتأكد فقط من أنها أنهت الواجب ونامت باكرًا.
ومع ذلك، لم يسأل أحد: “هل أنتي بخير؟”


المشهد الثاني: بعد العودة من المدرسة

بعد الظهر، عادت ليلى من المدرسة وهي تمسح دموعها بكمّ القميص.
مرة أخرى، تعرضت لكلمات قاسية من زميلتها سارة، كلمات جرحتها في أعماقها، لكنها لم تجد لها مخرجًا.

دخلت البيت، خلعَت الحقيبة، وجاءت إلى والدتها وقالت بصوت مرتجف:
“ماما… سارة قالت لي إني غبية، وضحكت عليّ قدام الكل…”
لكن الأم، التي كانت مشغولة بتحضير الغداء، لم تلتفت كثيرًا وقالت:
“يا ليلى، مافيش وقت للكلام دلوقتي. يلا غيري هدومك واستعدي للمذاكرة.”


المشهد الثالث: مساء من غير دفء

في المساء، جلست ليلى على مكتبها، تحاول حلّ واجب الرياضيات.
لكن كلما تذكرت ضحكات سارة، امتلأت عيناها بالدموع من جديد.

دخل الأب الغرفة، رأى وجهها المتوتر، فسأل بنفاد صبر:
“هو أنتي بتعيّطي تاني؟ ما قلنا مافيش عياط وقت المذاكرة. ولا أنتي بتستخدمي العياط عشان تهربي من الواجب؟”

في تلك اللحظة، لم تجد ليلى كلمات ترد بها. فقط هزّت رأسها، وأكملت المذاكرة في صمت.


المشهد الرابع: الكسر الصامت

مرّت الأيام، وتكررت المواقف.
ليلى لم تعد تبكي، لكنها أيضًا لم تعد تتكلم.
تدريجيًا، بدأت تنعزل، وبدأت ثقتها في نفسها تتآكل.
في المدرسة، صارت تتفادى المشاركة، وفي البيت، لم تعد تحاول الحديث.

حينها فقط، لاحظ الأب والأم شيئًا تغيّر…
لكن، للأسف، لاحظاه بعد فوات الأوان.


المشهد الخامس: لحظة الإدراك

ذات مساء، زارتهم معلمة الفصل لتسأل:
“هل ليلى بخير؟ أصبحت صامتة جدًا، ولا تشارك أبدًا… قلقت عليها.”
في تلك اللحظة، شعر الأب والأم بصدمة صامتة.

بدأوا يتذكرون المرات التي حاولت ليلى الحديث معهم، واستوعبوا أنها لم تكن تبكي لتتهرب، بل كانت تبكي لأنها تحتاجهم.


المشهد السادس : بداية جديدة

في الليلة التالية، جلس الأب بجوارها وقال برفق:
“أنا آسف يا ليلى، إحنا مكناش بنسمعك زي ما تستحقي. احكيلي… إيه مضايقك؟”

لأول مرة منذ شهور، نظرت ليلى إلى والدها وبدأت تتكلم… بصوت خافت، لكنه مليء بالصدق.

المشهد السابع : صوت بيكبر

في صباح اليوم التالي، استيقظت ليلى على صوت أمها وهي تقول برفق:
“تعالي نفطر سوا يا ليلى… وحكيلي عن خطتك النهاردة في المدرسة.”

للمرة الأولى، شعرت ليلى إن الكلام مرحّب بيه، مش عبء.
بدأت تحكي عن مادة بتحبها، وعن فكرة رسم عايزة تنفذها في حصة الفنون.

وفي المساء، كانت المفاجأة:
جهّز والدها دفترًا صغيرًا وكتب عليه: “دفتر ليلى – أسرارك ومشاعرك هنا في أمان”.
وقال لها بابتسامة:
“كل يوم نقرأه سوا، أو نسمعك تحكيه لو حبيتي.”

شيئًا فشيئًا، عادت عيناها تلمع، وابتدت تشارك، تضحك، وتواجه زميلتها بقوة.
مش لأنها ما بقتش تتضايق، لكن لأنها بقت عارفة إن وراها بيت بيسمعها… وبيصدقها.

 

  الرسالة من قصة  “صوت صغير لا يُسمع

لا شيء يعيد الثقة في قلب الطفل مثل شعوره أن من يحبونه يسمعونه فعلًا.
الآباء ليسوا فقط مربّين، بل شركاء في المشاعر، والسماع باهتمام هو أول خطوة لبناء شخصية قوية مطمئنة.