طفل في حيرة بين بيتين
في صباح يوم الجمعة، جلس آدم ذو الثماني سنوات في غرفته يعبث بألعابه دون حماس. وعلى الرغم من أنه عادةً ما يكون متحمسًا لعطلة نهاية الأسبوع، فإن هذا اليوم كان مختلفًا تمامًا. إذ أنه، كما هو متفق عليه بين والديه المنفصلين، سيقضي نهاية الأسبوع في بيت والده.
لكن، وبدون مقدمات، نظر إلى والدته وقال:
“مش عايز أروح عند بابا.”
تفاجأت الأم من هذا الرفض المفاجئ. فهو لم يعترض من قبل، بل كان يعود من هناك محملًا بالقصص والضحكات. إلا أنه في تلك اللحظة، بدا خائفًا ومترددًا.
التوتر النفسي لدى الأطفال بعد الانفصال
من المعروف أن الأطفال يُعانون نفسيًا عند حدوث الانفصال بين الأبوين، خاصةً إذا لم يتم التعامل مع الموقف بشكل واعٍ. فغالبًا ما يشعر الطفل بالانقسام العاطفي، ويميل إلى بيت أحد الوالدين أكثر من الآخر.
لكن، السؤال الأهم: ما السبب الحقيقي وراء رفض آدم الذهاب إلى بيت والده هذه المرة؟
الحوار كوسيلة لفهم مشاعر الطفل
بعد أن هدأت الأم قليلًا، جلست إلى جواره وسألته بحنان:
“ليه يا حبيبي مش عايز تروح؟ حصل حاجة مضايقاك؟”
تردد آدم في البداية، لكنه بعد فترة من الصمت قال:
“بابا بيشتغل كتير… وأنا بقعد لوحدي… ومش بحب أنام هناك من غيرك.”
وهنا فهمت الأم أن المشكلة ليست في الأب ذاته، بل في الشعور بالوحدة والافتقاد للأمان. ومن هذا المنطلق، قررت الأم أن تشارك الأب الحديث، لا لإلقاء اللوم، بل للبحث عن حل مشترك.
التعاون بين الوالدين من أجل راحة الطفل
اتصلت الأم بالأب، وتحدثت معه بلطف، موضحةً ما قاله آدم، ومشيرةً إلى ضرورة تعديل الروتين ليشعر الطفل بالارتياح.
وبالفعل، استمع الأب بانتباه، ولم يُنكر انشغاله، لكنه وعد بإجراء بعض التغييرات، مثل تقليل ساعات العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع، والحرص على تخصيص وقت للعب والحديث مع آدم.
علاوة على ذلك، اقترح الأب أن يشتري له لُعبة جديدة يلعبان بها معًا، وأن يخصص له ركنًا خاصًا في البيت يشعر فيه بالانتماء، حتى لا يشعر بالغربة كل مرة يذهب فيها.
التأكيد على الحب غير المشروط
في اليوم التالي، جلست الأم مع آدم وقالت له:
“بابا بيحبك جدًا، وأنا كمان. وإنت مش مضطر تختار بينّا. كل واحد فينا ليه طريقته في حبك.”
ثم أخرجت له حقيبته، ووضعت فيها لعبته المفضلة، وبعض الصور التي يحبها، وقالت له بابتسامة:
“المكان اللي إنت فيه، هو دايماً بيتك، سواء عندي أو عند بابا.”
وبعد قليل من التردد، ابتسم آدم وقال:
“طب خلاص، هاروح… بس تقولي لبابا يلعب معايا أول لما أوصل.”
وهكذا، ومن خلال الاستماع لمشاعر الطفل، والتعاون بين الوالدين، والتأكيد على الحب غير المشروط، عاد التوازن تدريجيًا إلى حياة آدم. فلم يعد يشعر أنه “يتنقل” بين بيتين، بل أصبح يؤمن أنه “ينتمي” إلى كليهما.