قصة “أنا مش صغير”

حدوتة جدتي:قصة “أنا مش صغير”

كان كريم في الثانية عشرة من عمره. وعلى الرغم من أنه بدأ ينضج ويكوّن شخصيته المستقلة، فإن والديه كانا ما زالا يعاملانه على أنه طفل صغير.
فعلى سبيل المثال، عندما يطلب منهم النزول لشراء بعض الأغراض، كانت والدته ترد قائلة: “أنت ما زلت صغيرًا على ذلك.”
وكذلك عندما يحاول مساعدة والده في بعض الأعمال المنزلية، كان يسمع منه: “اترك الأمر، فهذا ليس من مسؤولياتك بعد.”

ومع تكرار هذه المواقف، شعر كريم أن نضجه لا يُقدَّر داخل أسرته، وأنه دائمًا محاصر بصورة “الطفل الصغير” في نظر والديه.

قصة "أنا مش صغير

الصراع الداخلي

في المدرسة، كان كريم مختلفًا؛ إذ كان زملاؤه يعتمدون عليه ويثقون في قدرته على شرح الدروس وتنظيم الأنشطة. هذا التقدير جعله يشعر بقيمته الحقيقية.
لكن بمجرد عودته إلى المنزل، كان يعود معه الإحباط ذاته. فهناك، لا يُنظر إليه باعتباره شخصًا قادرًا، بل يُعامل كأنه ما زال في سنواته الأولى.
هذا التناقض ولّد داخله صراعًا نفسيًا بين رغبته في الاستقلال وبين شعوره بأن والديه لا يثقون بقدراته.

نقطة التحول

حدث الموقف الفاصل حين نسي والده أن يرتب المخزن. فقرر كريم أن يقوم بالمهمة بمفرده. قضى وقتًا طويلًا في التنظيم، وعندما عاد والده ورأى ما فعله، وقف متفاجئًا وقال:
“هل قمت بهذا وحدك؟”
ابتسم كريم وأجاب بثقة: “نعم، أردت أن أساعد.”

في هذه اللحظة، أدرك الأب أن ابنه لم يعد ذلك الطفل الصغير، بل أصبح قادرًا على تحمّل جزء من المسؤولية.

بداية التغيير

منذ ذلك اليوم، بدأت والدته تُكلفه بمهام بسيطة تناسب سنه مثل ترتيب غرفته أو شراء بعض المستلزمات من المتجر القريب.
كما أصبح والده يشركه في قرارات يومية بسيطة ويمنحه مساحة للتعبير عن رأيه.
ومع كل مهمة جديدة، شعر كريم أن أسرته أخيرًا تعترف بنضجه.

الدرس للأهالي

إن قصة كريم تذكّرنا بأهمية الاعتراف بتطور الأبناء ومنحهم مسؤوليات تدريجية. فالتعامل معهم على أنهم صغار، رغم تقدمهم في العمر، يضعف ثقتهم بأنفسهم.
أما إشراكهم في مهام بسيطة، فهو يعلّمهم الانضباط، ويقوي شخصياتهم، ويعزز العلاقة بينهم وبين أسرهم.

في النهاية، كانت رسالة كريم واضحة: “أنا مش صغير.”
إنها ليست مجرد عبارة يرددها الأبناء بدافع العناد، بل صرخة خفية تطالب بالثقة والاعتراف بالنضج. ولذلك، على الأهل أن يدركوا أن أفضل وسيلة لدعم أبنائهم هي النظر إليهم باعتبارهم شركاء في الأسرة، ومنحهم مسؤوليات تناسب أعمارهم، حتى ينموا بثقة واستقلالية.