في كثير من البيوت، قد لا يلاحظ الكبار أن أصواتهم المرتفعة ومشاحناتهم اليومية تترك أثرًا عميقًا في نفوس الأطفال. وبينما يظن البعض أن الطفل “مش فاهم” أو “مش بيهتم”، تكون الحقيقة مختلفة تمامًا. وهذا ما حدث مع عمر.
بداية القصة: طفل هادئ في بيت صاخب
كان عمر طفلًا هادئًا بطبعه، يحب القراءة، والرسم، والجلوس في ركنه الصغير بجوار النافذة. ومع ذلك، لم يكن يشعر بالأمان في بيته، ليس لأنه بيت غير آمن، بل لأن الصوت فيه كان عاليًا جدًا… عاليًا لدرجة تؤلمه من الداخل.
في البداية، كان يعتقد أن هذا أمر طبيعي. فكل العائلات تتشاجر أحيانًا، أليس كذلك؟ ولكن، مع مرور الوقت، بدأ يشعر أن هناك شيئًا غير مريح. كل مرة يعلو فيها صوت ماما وبابا، كان قلبه ينبض بسرعة، ويديه تتعرقان، وعينيه تمتلئ بالخوف، رغم أنه لم يُصب بأذى جسدي أبدًا.
كيف أثّر الصراخ على مشاعر عمر؟
مع تكرار الأمر يومًا بعد يوم، بدأ عمر يغير من تصرفاته.
فأصبح لا يحب العودة إلى المنزل سريعًا بعد المدرسة، رغم أنه كان ينتظر حضن والدته بشغف من قبل.
ثم، بدأ ينسحب تدريجيًا من أي نشاط فيه تفاعل، وبدأ يُظهر علامات القلق عند أقل صوت مرتفع.
ليس ذلك فقط، بل أصبح نومه متقطعًا، وأحيانًا يستيقظ على أصوات مرتفعة وهمية… وكأنه يتوقع حدوث شجار جديد.
وهنا تظهر أهمية فهم مشاعر الطفل وتفسيرها بشكل صحيح. لأن الطفل لا يملك الكلمات الكافية ليعبّر، لكنه يملك مشاعر حقيقية تحتاج إلى من يسمعها ويفهمها.
نقطة التحول: زيارة المدرسة
في أحد الأيام، لاحظت المعلمة أن عمر متوتر أكثر من المعتاد. وعندما جلست معه وتحدثت بلطف، لم يقل الكثير، لكنه أخبرها بجملة صغيرة جدًا، كانت كافية لتكشف ما بداخله:
“أنا مش بحب صوت عالي… بيخليني أخاف.”
من هنا، قررت المعلمة التواصل مع والديه بهدوء، وشرحت لهما تأثير الجو المتوتر في البيت على ابنهم. في البداية، شعروا بالدهشة، لأنهم لم يتوقعوا أبدًا أن ابنهم يتأثر بهذه الطريقة. ولكن، بعد التفكير، بدأوا يلاحظون التغييرات فعلاً في سلوكه.
التغيير يبدأ بالاستماع
بدأ الأبوان يتحدثان مع عمر أكثر، وبدلًا من تجاهل مشاعره، أصبحوا يسألونه عن حاله. ليس ذلك فحسب، بل بدأوا أيضًا بتغيير طريقة تواصلهم مع بعضهم، فصاروا يحاولون حل المشاكل بهدوء أو على الأقل بعيدًا عن مسامع عمر.
وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، عاد عمر ليجلس بجوار النافذة بهدوء، يقرأ ويبتسم دون توتر.
الدرس المستفاد من قصة عمر
في النهاية، يجب أن ندرك أن:
صوت الزعيق لا يؤذي الأذن فقط، بل يؤذي القلب والعقل الصغير أيضًا.
الأطفال لديهم مشاعر قوية حتى لو لم يستطيعوا التعبير عنها بالكلمات.
البيئة الهادئة تخرج من الطفل أفضل ما فيه، بينما التوتر المستمر يضعفه.
نصيحة لكل ولي أمر
إذا لاحظت تغيرًا في سلوك طفلك، ابحث عن الأسباب في البيت أولًا، ولا تفترض أنه بخير لمجرد أنه لا يتحدث.
لأن الطفل الصامت قد يكون الطفل الأكثر ألمًا… فقط هو لا يعرف كيف يشرح لك.