قصة الأكل المفقود

حدوتة جدتي:قصة الأكل المفقود

في إحدى المدن المزدحمة، كانت تعيش فتاة تدعى سارة. كانت سارة طالبة جامعية تحب الطهي كثيرًا، لكنها – مثل كثير من الناس – اعتادت أن تُلقي بالكثير من الطعام في سلة المهملات. على سبيل المثال، إذا طبخت كمية كبيرة من الأرز ولم يُؤكل كله، كانت ببساطة ترميه دون أن تفكر. ومع مرور الوقت، بدأت تلاحظ أن القمامة تمتلئ يوميًا بفتات الخبز، وبقايا الخضروات، وحتى وجبات كاملة لم تُلمس.

ومع ذلك، وبينما كانت تعتبر ذلك شيئًا عاديًا، جاء يوم غيّر حياتها للأبد.

قصة الأكل المفقود

الشرارة الأولى للتفكير

ذات مساء، جلست سارة مع جدتها العجوز، التي كانت تحب أن تحكي قصص الماضي. قالت الجدة بحزن:
“يا ابنتي، هل تعلمين أن قطعة الخبز التي تُلقينها في القمامة قد تكون حياة لشخص آخر؟ نحن في زماننا لم نكن نرمي الأكل أبدًا، بل كنا نبتكر طرقًا مختلفة لاستخدام كل شيء”.

تأثرت سارة كثيرًا بهذه الكلمات، وفجأة أدركت أن الأكل اللي بنرميه ليس مجرد بقايا، بل هو نعمة مهدرة. ومن هنا بدأت رحلتها نحو التغيير.

التغيير يبدأ بخطوات صغيرة

في البداية، قررت سارة أن تتبع خطة بسيطة. أولاً، صارت تطبخ كميات أقل تناسب عدد الأفراد في المنزل. وثانيًا، عندما يتبقى بعض الطعام، كانت تبحث عن وصفات جديدة لإعادة تدويره. على سبيل المثال، حولت بقايا الأرز إلى كرات أرز مقرمشة، وصنعت من الخبز اليابس فتات يُستخدم في تتبيل الطعام.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت تضع الخضروات التي قاربت على الذبول في الشوربة بدلًا من تركها حتى تفسد. وهكذا، ومع كل يوم يمر، كانت تتعلم كيف تجعل من بقايا الطعام مصدرًا للإبداع بدلًا من أن يكون عبئًا.

أثر الأكل اللي بنرميه على المجتمع

ومع مرور الوقت، لم يتوقف الأمر عند سارة فقط، بل بدأت تُشارك أفكارها مع صديقاتها في الجامعة. على سبيل المثال، اقترحت عليهن إعداد وجبات جماعية باستخدام ما تبقى من طعام البيوت. وهنا اكتشفت أن مشكلة هدر الطعام ليست شخصية فقط، بل هي مشكلة عامة يعاني منها المجتمع كله.

فمن ناحية، هناك ملايين الأشخاص الذين لا يجدون ما يكفيهم من الغذاء. ومن ناحية أخرى، هناك من يُهدر كميات ضخمة من الطعام يوميًا دون أن يفكر. وبالتالي، أصبح من الواضح أن الأكل اللي بنرميه هو قضية إنسانية واقتصادية في نفس الوقت.

الوعي يقود إلى حلول مبتكرة

ولأن سارة كانت دائمًا محبة للمعرفة، بدأت تبحث عبر الإنترنت عن طرق عملية لتقليل هدر الطعام. فتعلمت مثلًا أن بعض الدول أقامت بنوكًا للطعام تجمع الفائض من المطاعم والفنادق وتوزعه على الفقراء. كما عرفت أن هناك تطبيقات حديثة تساعد على بيع الطعام الزائد بسعر أقل بدلًا من رميه.

وبالإضافة إلى ذلك، اكتشفت أن إعادة تدوير بقايا الطعام يمكن أن تتحول إلى سماد طبيعي يفيد الزراعة. وهكذا، رأت أن الحلول موجودة، ولكن تحتاج فقط إلى وعي وإرادة.

 جلست سارة تتأمل رحلتها مع “الأكل اللي بنرميه”. لقد أدركت أن كل لقمة طعام لها قيمة، وأننا عندما نهدرها فإننا نهدر جهد المزارع، ووقود النقل، وموارد الطبيعة. والأهم من ذلك، أننا نتجاهل حاجات إنسان آخر قد يكون في أمسّ الحاجة إليها.

ومن هنا، توجهت برسالة إلى كل من حولها:
“ابدأوا بخطوات صغيرة، وقللوا من الأكل اللي بترموه. لأن التغيير لا يحتاج إلى أفعال ضخمة، بل يحتاج إلى وعي ومسؤولية. تذكروا دائمًا أن الطعام نعمة تستحق الشكر والحفاظ عليها”.