حدوتة جدتي: قصةالتليفزيون مش صاحبي
في أحد أيام الصيف الحارة، وبينما كانت الشمس ترسل أشعتها القوية إلى كل مكان، جلس يحيى، الطفل ذو الأعوام الثمانية، على الأريكة في غرفة المعيشة، ممسكًا بجهاز التحكم في التلفاز، يتنقل بين قنوات الكرتون بلا توقف. في البداية، كان الأمر مسليًا للغاية، بل ومثيرًا بالنسبة له، خاصةً أنه في إجازة صيفية طويلة.
ولكن، مع مرور الوقت، لم يعد يحيى يشعر بالسعادة التي اعتاد عليها في بداية الإجازة. على العكس تمامًا، أصبح يلاحظ شعورًا غريبًا بالملل يتسلل إليه، حتى من الكرتون الذي كان يعشقه. ومع ذلك، لم يكن يعرف السبب الحقيقي وراء هذا التغير في مشاعره.
ملاحظة الأم لتغيرات سلوك يحيى
في الجهة الأخرى، كانت والدة يحيى تراقبه عن قرب. ومع أن الأمر لم يبدُ مقلقًا في البداية، إلا أنها لاحظت أن طفلها لم يعد يخرج كثيرًا، ولم يعد يخترع ألعابًا كما اعتاد. بل الأدهى من ذلك، أنه لم يعد يعبّر عن أفكاره أو يرسم شخصياته الخيالية كما كان يفعل دائمًا.
ومن هنا، بدأت الأم تفكر بجدية. فبينما كانت تعلم أن مشاهدة الكرتون أمر طبيعي ومحبب للأطفال، كانت تدرك في الوقت ذاته أن الإفراط فيه قد يؤدي إلى خمول الذهن وضعف الخيال.
بعد تفكير طويل، خطرت للأم فكرة ذكية، بل وملهمة. وبدلاً من أن تنهى ابنها عن مشاهدة التلفاز بطريقة مباشرة، قررت أن تحوله من متلقٍّ سلبي إلى مبدع نشط. وبهذا، اقتربت من يحيى وسألته:
“إيه رأيك نعمل مسلسل كرتون من خيالك؟ أنا أكتب، وإنت ترسم؟”
تفاجأ يحيى بالسؤال، ولكنه لم يرفض، بل ابتسم لأول مرة منذ أيام، ووافق بحماس شديد.
بداية المغامرة: صناعة قصة كرتون
بدأت رحلة الإبداع. في البداية، لم يعرف يحيى من أين يبدأ، لكنه بمساعدة والدته بدأ يضع فكرة أولية عن بطل خارق اسمه “فلاشو”، يعيش في مدينة السحاب، ويحارب الملل باستخدام ألوان قوس قزح.
ثم انتقل إلى مرحلة رسم الشخصيات، واحدة تلو الأخرى، مستخدمًا أقلام التلوين والورق الأبيض. وبمرور الأيام، كان يحيى يستيقظ صباحًا بشغف، ويجلس مع والدته لتطوير القصة، وإضافة أحداث، بل وابتكار حوارات بين الشخصيات.
وبينما كانت القصة تكبر، كان خيال يحيى يكبر معها.
مع مرور الأسابيع، لاحظت الأم أن ابنها أصبح أكثر سعادة، بل وأكثر تفاعلًا مع من حوله. لم يعد يفضل الجلوس طويلًا أمام التلفاز، لأنه كان مشغولًا بإكمال مغامرات “فلاشو”، والتفكير في نهاية مشوقة للقصة.
وبالتالي، تحول يحيى من طفل مستهلك للمحتوى إلى طفل صانع للمحتوى، واكتشف أن الخيال لا يأتي من الشاشات فقط، بل يمكن أن ينبع من داخله إذا سمح له بالظهور.
دروس مستفادة للأطفال والأمهات
من خلال هذه القصة الواقعية، نتعلم جميعًا أن:
الإفراط في مشاهدة التلفاز، حتى لو كان كرتونًا، قد يقتل الإبداع.
المراقبة الواعية من الأهل تساعد في ملاحظة التغيرات السلوكية الصغيرة قبل أن تكبر.
البدائل الإيجابية لا تعني المنع، بل تعني فتح أبواب جديدة للتعبير والإبداع.
مشاركة الأهل في مشروعات الأطفال تُشعرهم بالقيمة وتُحفزهم على الانطلاق.