في صباحٍ هادئ تملؤه أشعة الشمس الذهبية، استيقظت ليلى، الطفلة الصغيرة ذات القلب الحساس والعينين اللامعتين.
كانت محبوبة بين زملائها في المدرسة، مرحة وذكية، إلا أن هناك شيئًا واحدًا كان يميزها عن الجميع؛ فقد كانت تبكي لأتفه الأسباب.
إذا سقط قلمها على الأرض، بكت. وإن تأخرت أمها في إعداد فطورها، ذرفت الدموع. بل حتى إن لم تجد شريطة شعرها المفضلة، كان البكاء حليفها الدائم.
ومع مرور الأيام، بدأت والدتها تشعر بالقلق، لأن بكاء ليلى المتكرر لم يكن مفهومًا، خصوصًا أن الأسباب بدت بسيطة للغاية.
بداية الحكاية: الموقف الذي غيّر كل شيء
في أحد الأيام، كانت ليلى تستعد للذهاب إلى المدرسة بحماس.
لكن فجأة، سقط كوب العصير من يدها وتلطخت ملابسها.
تجمّدت في مكانها، ثم بدأت تبكي بحرقة وكأنها فقدت شيئًا ثمينًا.
حاولت والدتها تهدئتها قائلة:
“يا ليلى، لا بأس يا صغيرتي، سنتنظف سريعًا وسنذهب في الوقت المناسب.”
لكن ليلى لم تتوقف عن البكاء، فاضطرت والدتها إلى ضمّها بحنان حتى هدأت قليلًا.
وفي طريقها إلى المدرسة، ظلت شاردة الذهن، تتساءل في نفسها:
“لماذا أبكي دائمًا؟ وهل كل هذه الدموع تستحق أن تُذرف لأسباب صغيرة؟”
الحديث الذي فتح أبواب الفهم
عندما وصلت ليلى إلى المدرسة، لاحظت معلمتها، الأستاذة مريم، أن عينيها متورمتان من كثرة البكاء.
اقتربت منها وقالت برقة:
“ما بكِ يا ليلى؟ هل حدث شيء مزعج؟”
حكت ليلى ما حدث صباحًا، فابتسمت المعلمة وقالت:
“يا ابنتي، أحيانًا لا تكون الدموع بسبب ما نراه أمامنا، بل بسبب ما نحمله بداخلنا. ربما أنتِ تشعرين بالتعب أو القلق، ولهذا تبكين بسهولة.”
تأملت ليلى كلمات المعلمة، وشعرت أن قلبها بدأ يفهم شيئًا جديدًا.
التحوّل: كيف تغيّر سلوك ليلى
في الأيام التالية، بدأت ليلى تفكر قبل أن تبكي.
وعندما أضاعت أحد كتبها، تذكّرت ما قالته المعلمة، وأخذت نفسًا عميقًا وقالت في نفسها:
“سأبحث عنه بهدوء، ولن أبكي.”
وبالفعل، وجدته بعد قليل، فابتسمت وقالت بفخر:
“لقد نجحتُ في السيطرة على دموعي!”
ومع مرور الوقت، أصبحت ليلى أكثر هدوءًا، وأقل بكاءً.
كانت أحيانًا تشعر بالحزن، لكنها تعلمت أن التعبير عن مشاعرها لا يكون فقط بالدموع، بل بالكلمات والفهم والصبر.
الحكمة التي تعلمتها ليلى
وفي أحد الأيام، شاهدت صديقتها الصغيرة سارة تبكي لأنها أخطأت في حلّ سؤال بسيط.
اقتربت منها ليلى وربتت على كتفها قائلة:
“لا تبكي يا سارة، كلنا نخطئ. المهم أن نحاول مرة أخرى.”
نظرت سارة إليها بدهشة، ثم ابتسمت قائلة:
“كنتِ أنتِ من تبكين دائمًا يا ليلى، ماذا حدث؟”
ابتسمت ليلى وقالت بثقة:
“تعلّمت أن البكاء لا يُحلّ به شيء، وأن القوة الحقيقية هي في فهم ما نشعر به، لا في إخفائه أو تركه يسيطر علينا.”
البكاء لأتفه الأسباب ليس ضعفًا
وهكذا، أدركت ليلى أن البكاء لأتفه الأسباب ليس عيبًا، لكنه رسالة من القلب تقول:
“أنا متعب، أحتاج إلى بعض الراحة.”
فمن الطبيعي أن نبكي أحيانًا، ولكن الأجمل أن نفهم متى ولماذا نبكي.
لقد أصبحت ليلى مثالًا للصبر والهدوء، وأصبحت دموعها نادرة، لكنها حين تنزل، تكون صادقة ومعبرة.
إن الدموع ليست دائمًا علامة ضعف، بل قد تكون بداية فهمٍ عميق للذات.
فحين نتعلّم كيف نتحكم في مشاعرنا ونعبّر عنها بطرق صحيّة، نزداد نضجًا وتوازنًا، ونكتشف أن القوة ليست في حبس الدموع، بل في إدارتها بحكمة.