حدوتة جدتي:قصة رائد وألعاب العنف
في أحد أحياء المدينة الهادئة، كان يعيش طفل يدعى رائد، يبلغ من العمر 9 سنوات. كان طفلًا نشيطًا، محبًا للقراءة، وفضوليًا جدًا. كان يحب أن يلعب مع أصدقائه في الحديقة، يركب دراجته ويتحدث كثيرًا عن أحلامه في أن يصبح طيارًا.
في البداية، لم يكن رائد يهتم كثيرًا بالألعاب الإلكترونية. بل كان يفضل الرسم ومشاهدة الكرتون، إلى أن جاء يوم عيد ميلاده التاسع، عندما أحضر له والده جهاز “تابلت” حديث كهدية.
أول تجربة مع الألعاب الإلكترونية
في البداية، كان رائد يستخدم الجهاز لمشاهدة فيديوهات تعليمية، ولعب بعض ألعاب الألغاز والموسيقى. ولكن، وبعد فترة قصيرة، بدأ يسمع من أصدقائه عن لعبة شهيرة اسمها “معركة الأبطال“، وهي لعبة قتالية ثلاثية الأبعاد مليئة بالحركة والتحديات.
وبما أنه لا يحب أن يكون مختلفًا عن أصدقائه، قرر أن يجرّب اللعبة.
وبالفعل، بدأ في تحميلها ولعبها. ومنذ أول لحظة، شعر بالإثارة. فالمؤثرات البصرية، والأصوات، والمهمات القتالية جذبت انتباهه بشدة. وما لبث أن أصبحت هذه اللعبة جزءًا من يومه.
التغير التدريجي: من اللعب إلى الإدمان
مع مرور الأيام، لم يعد رائد يكتفي بنصف ساعة من اللعب. بل أصبح يلعب لساعات متواصلة، حتى أثناء تناول الطعام، كان يمسك بالجهاز بيد، والملعقة باليد الأخرى.
ثم بدأ يطلب تحميل ألعاب أخرى مشابهة، كلها تدور حول إطلاق النار، والانتصار على الأعداء، ومشاهد العنف المتكررة.
تدريجيًا، بدأت التغييرات تظهر على سلوكه:
أصبح عصبيًا جدًا عند المقاطعة أثناء اللعب.
بدأ يصرخ إذا خسر، وأحيانًا يكسر ألعابه.
رفض الخروج مع أصدقائه أو اللعب في النادي.
تراجع تركيزه في المدرسة، وبدأت درجاته تهبط بشكل ملحوظ.
وبالرغم من تنبيهات والدته، كان دائمًا يرد بجملة واحدة:
“كل أصحابي بيلعبوها، إنتوا بس مش فاهمين!”
بداية الشك: هل تغير رائد فعلًا؟
ذات يوم، دخلت والدته غرفته لتطمئن عليه، فوجدته يتحدث مع الشاشة بانفعال شديد، يستخدم كلمات عنيفة مثل “اقتله” و”دمره” و”لازم يموت”.
ارتبكت الأم، فهي لم تعتد على سماعه يتحدث بهذه الطريقة.
في تلك الليلة، جلست الأسرة لتراجع نفسها:
– كيف تغيّر رائد بهذه السرعة؟
– هل أخطأنا عندما أهملنا نوعية الألعاب التي يلعبها؟
– هل من الممكن أن يكون لهذه الألعاب تأثير نفسي عليه؟
فهم التأثير النفسي لألعاب العنف
بعد بحث سريع، اكتشف الوالدين معلومات صادمة:
أن ألعاب الفيديو العنيفة قد ترفع من مستوى التوتر والعدوانية لدى الأطفال.
أنها تقلل من مستوى التعاطف مع الآخرين، خاصة إذا كانت تحتوي على مشاهد دموية.
وأن الأطفال المدمنين على هذه الألعاب يعانون من اضطرابات في النوم، والعزلة، وضعف الانتباه.
عندها، قرر الوالدين التدخل، ولكن بطريقة ذكية ومدروسة.
بدلًا من سحب الجهاز فجأة، جلست الأم مع رائد في جلسة هادئة. لم تبدأ بالكلام عن “المنع”، بل سألته عن اللعبة، وما الذي يعجبه فيها. ومع أنه في البداية رفض الحديث، لكنه مع الوقت بدأ يشرح لها شخصيات اللعبة ومهامها.
قالت له بابتسامة:
“يعني بتحب اللعبة علشان فيها مغامرات وتحديات؟ طب إيه رأيك نجرب لعبة فيها مغامرات بس من غير ضرب وقتل؟”
ثم اقترحت عليه لعبة اسمها “مدينة المخترعين“، والتي تعتمد على التفكير وبناء مشاريع وإنقاذ المدينة من الكوارث. وبعد قليل من التردد، وافق.
إعادة التوازن ليومه
ولأن الأمر لم يكن مجرد لعبة، بدأت العائلة تنظم وقت استخدام الجهاز، وأدخلوا إلى يومه أنشطة مختلفة:
ساعة رياضة كل يوم في النادي.
وقت للقراءة والمطالعة قبل النوم.
لقاءات أسبوعية مع أصدقائه بدون شاشات.
اختيار الألعاب المناسبة معًا.
بمرور أسابيع قليلة، عاد رائد إلى طبيعته، بل وأصبح هو من يحذّر أصدقاءه من الألعاب العنيفة.
هل المشكلة كانت في التكنولوجيا؟
بالطبع لا. فالتكنولوجيا في ذاتها ليست المشكلة، بل طريقة الاستخدام هي ما يصنع الفرق.
قصة رائد توضح لنا بوضوح أن الرقابة وحدها لا تكفي، والحب وحده لا يكفي، لكن التوازن والحوار والوعي هم المفاتيح الحقيقية لتربية أطفال أصحاء في هذا العصر الرقمي.