قصة زياد والزاوية الهادئة

حدوتة جدتي:قصة زياد والزاوية الهادئة

في أحد الصفوف الدراسية الهادئة، جلس زياد كعادته في آخر مقعد بجوار النافذة.

وبينما كان الأطفال يضحكون، يتبادلون القصص، ويشاركون في الأنشطة، كان زياد يرسم في دفتره كوكبًا خياليًا يدور حول شمس ملونة. رغم وجوده في نفس المكان، إلا أنه بدا كأنه يعيش في عالمٍ خاص به، بعيدًا عن الآخرين.

لماذا كان زياد يحب العزلة؟

في الواقع، لم يكن زياد طفلًا سيئًا أو غير محبوب. بل على العكس، كان ذكيًا ومهذبًا، لكنه دائمًا ما شعر بالخوف من التفاعل. فعلى الرغم من أن معلمته نهى حاولت في أكثر من مناسبة إشراكه في الأنشطة، إلا أن زياد كان يتهرب بهدوء، ويعود إلى زاويته المعتادة.

وبمرور الوقت، لاحظت المعلمة أن سلوك زياد لم يتغير، بل أصبح أكثر عزلة. وهنا، بدأت تتساءل:
هل الانطواء جزء من شخصيته؟ أم أن هناك سببًا آخر يدفعه للابتعاد عن الآخرين؟

اكتشاف السبب وراء الانطواء

في أحد الأيام، وبعد انتهاء الحصة، اقتربت المعلمة من زياد وسألته بلطف:
“زياد، ليه دايمًا بتحب تقعد لوحدك؟”

فكر زياد قليلًا ثم قال:
“بحس إني مش بعرف أتكلم زي باقي الأطفال… وبخاف حد يضحك عليا.”

عندها، أدركت المعلمة أن المشكلة ليست في زياد نفسه، بل في شعوره بعدم الأمان والخوف من رفض الآخرين له. لذلك، قررت أن تساعده بطريقة غير مباشرة، حتى لا يشعر بالحرج أو الضغط.

خطة المعلمة لمساعدة زياد على الاندماج

قصة زياد والزاوية الهادئة

في اليوم التالي، أعلنت المعلمة عن نشاط جماعي جديد بعنوان:
“ارسم عالمك المفضل”
وكان الهدف من النشاط هو تشجيع الأطفال على التعبير عن أنفسهم من خلال الرسم. ولكن الأهم من ذلك، أنها وضعت زياد ضمن مجموعة تضم طفلين هادئين يحبون الفن أيضًا.

ورغم تردد زياد في البداية، إلا أنه بدأ يتفاعل حين لاحظ اهتمام زميليه برسمه الفريد للكواكب والمجرات. ومع مرور الدقائق، أصبح زياد أكثر جرأة، وبدأ يتحدث عن أفكاره ويقترح ألوانًا وأشكالًا.

كيف تغيرت حياة زياد بعد النشاط؟

بعد انتهاء الحصة، علّقت المعلمة اللوحات على الحائط، وكتبت تحت لوحة مجموعة زياد:
“عمل جماعي متميز بقيادة زياد وأصدقائه!”

ومنذ تلك اللحظة، تغيرت الأمور تدريجيًا. فقد بدأ زياد يخرج من عزلته شيئًا فشيئًا، ليس لأنه أُجبر على ذلك، بل لأنه شعر بالأمان والقبول. كما بدأ أصدقاؤه يكتشفون أنه فنان موهوب وطفل لطيف يستحق الصداقة.

الدروس المستفادة من قصة زياد والانطواء

من خلال قصة زياد، يمكننا أن نستنتج عدة دروس مهمة:

  • أولًا، ليس كل طفل يفضل العزلة يعاني من مشكلة كبيرة، ولكنه قد يحتاج فقط إلى طريقة مناسبة للتعبير عن نفسه.

  • ثانيًا، من المهم أن يكون هناك تفهم من المعلمين والأهل، لأن الضغط قد يزيد من الانطواء بدلًا من معالجته.

  • ثالثًا، الأنشطة الجماعية المدروسة تُعد وسيلة فعالة لإشراك الطفل بدون إحراجه.

كيف نساعد الأطفال الانطوائيين؟

يجب أن نتعامل مع الانطواء كاختلاف طبيعي في الشخصية، وليس كعيب أو مشكلة. فبعض الأطفال يحتاجون إلى الهدوء، ولكن مع التشجيع والدعم، يمكنهم أن يتعلموا كيف يندمجوا دون أن يفقدوا هويتهم.

إذن، بدلًا من إجبار الطفل على التفاعل، دعونا نمنحه فرصة ليُظهر ما بداخله بطريقته الخاصة. فربما، كما حدث مع زياد، نجد خلف الصمت قلبًا مليئًا بالإبداع والأحلام.