قصة علي وإخفاء مشاعره

حدوتة جدتي:قصة علي وإخفاء مشاعره

في حي هادئ، يعيش طفل يدعى “علي”، يبلغ من العمر عشر سنوات. يتميز علي بذكائه، وأدبه، وهدوئه الملفت، حتى أن كل من حوله يظنون أنه لا يواجه أي مشكلات. غير أن الواقع مختلف تمامًا؛ فعلي كان يخفي خلف ابتسامته الدائمة الكثير من المشاعر والأفكار التي لا يبوح بها لأحد.

كان كل من يراه يعتقد أنه طفل قوي لا يتأثر بشيء، لأنه ببساطة لا يشكو أبدًا. ولكن الحقيقة هي أن علي لم يتعلم كيف يعبر عن مشاعره، بل اعتاد أن يرد على كل سؤال عن حاله بكلمة واحدة: “أنا بخير”.

قصة علي وإخفاء مشاعره

بداية المشكلة: خلاف صغير، وأثر كبير

في أحد أيام الأسبوع، وخلال الفسحة المدرسية، كان علي يلعب مع صديقه المقرب “كريم”. وأثناء اللعب، سقط كريم أرضًا، وظن أن علي هو من دفعه عمدًا. غضب كريم، ورفض التحدث إلى علي. حاول علي أن يبرر موقفه، لكن كريم لم يعطه الفرصة.

شعر علي بالحزن والارتباك، ولم يفهم لماذا غضب كريم بهذه السرعة. ورغم أن قلبه كان مثقلًا، عاد إلى الفصل متظاهرًا بأنه طبيعي. وعندما لاحظت معلمته أن علي لم يعد يشارك كعادته، اقتربت منه وسألته:
– “مالك يا علي؟”
فأجاب مبتسمًا:
– “أنا بخير، مفيش حاجة.”

ومن هنا بدأت المشكلة تتفاقم تدريجيًا.

تراكم المواقف: كتمان وراء كتمان

على مدار الأسبوع التالي، تعرض علي لمواقف متتالية زادت من توتره. في أحد الأيام، نسي أن يحضر الواجب المطلوب، ووبخته المعلمة أمام زملائه، مما سبّب له شعورًا بالإحراج. وفي يوم آخر، رفض بعض الأطفال اللعب معه لأن كريم لم يعد يتحدث إليه.

وبرغم هذه المواقف المؤلمة، لم يفصح علي لأحد عن شعوره الحقيقي. بل كلما حاولت والدته أو معلمته الحديث معه، كان يرد بنفس العبارة:
– “أنا كويس… ما تقلقوش.”

ولأن المشاعر السلبية لا تختفي عندما نتجاهلها، بدأت تظهر على علي علامات القلق والعصبية. فقد أصبح يثور على أخته الصغيرة لأسباب بسيطة، كما بدأ ينام أقل، ويشعر بالإرهاق دون سبب واضح.

ذات مساء، عاد علي إلى البيت وهو في حالة شديدة من التوتر. رمى حقيبته في زاوية الغرفة، ورفض تناول الطعام. جلست والدته بجانبه وسألته بلطف عن يومه، لكنه كالعادة قال:
– “يوم عادي.”

ومع إلحاحها بلطف، بدأ علي يرفع صوته ويقول:
– “أنا قلتلك إني كويس! ليه بتسأليني كتير؟ مفيش حاجة!”

تفاجأت الأم من نبرة صوت ابنها، وأدركت أن هناك ما يؤلمه فعلًا. قررت حينها أن تتعامل مع الموقف بأسلوب مختلف.

في تلك الليلة، جلست الأم بجانب ابنها، وأحضرت ألبوم صور قديم. بدأت تريه صورها وهي في نفس عمره، ثم حكت له قصة من طفولتها حين كانت تكتم مشاعرها وتخفي ألمها حتى انفجرت بالبكاء في المدرسة.

قالت له:
– “كنت أظن إن السكوت قوة، وإن الكلام ضعف. لكن اكتشفت إن العكس هو الصح. اللي يقدر يتكلم عن مشاعره هو إنسان شجاع فعلًا.”

صمت علي قليلًا، ثم نظر إلى والدته بعينين دامعتين، وقال لأول مرة:
– “أنا زعلان من كريم… وحاسس إني لوحدي… ومحدش فاهمني.”

ابتسمت والدته واحتضنته قائلة:
– “أنا معاك، ومش هسيبك أبدًا. شكرًا إنك قلتلي. أنا فخورة بيك.”

بداية التغيير: خطوات نحو الشجاعة

في اليوم التالي، كتبت الأم رسالة إلى المدرسة تطلب فيها مقابلة المعلمة. شرحت لها ما حدث، وطلبت منها مساعدة علي في التعبير عن مشاعره داخل الفصل.
وبالفعل، بدأت المعلمة تتحدث مع الطلاب عن أهمية التعبير العاطفي، وعرضت عليهم طرقًا للتعامل مع الحزن والضيق دون خوف.

كما شجعت الطلاب على كتابة “يومياتهم الشعورية” في كراسة خاصة، يكتبون فيها ما يشعرون به يوميًا. وجد علي في هذا التمرين مساحة آمنة للتنفيس، وبدأ يشعر أن مشاعره مسموعة ومحترمة.

وبمرور الوقت، تحسنت علاقته بكريم، خاصة بعد أن بادله الحديث وتحدثا بصراحة. وبدأ علي يستعيد طاقته، وابتسامته الحقيقية.

 لا تخفي ما بداخلك

قصة علي تظهر لنا أهمية التوعية العاطفية للأطفال، وأن عبارة “أنا بخير” ليست دائمًا حقيقية.
فالصمت لا يحل المشاكل، بل يزيدها تعقيدًا. أما الكلام، فهو الخطوة الأولى نحو الحل والراحة النفسية.

الرسالة الأساسية:

التعبير عن المشاعر لا يعني الضعف، بل هو قمة الشجاعة.

فلنشجع أطفالنا على البوح، ولنستمع إليهم بصدق، فهم بحاجة لمن يحتويهم ويفهمهم دون حكم أو نقد.