حدوتة جدتي:قصة لبنى والرد المهذب
في إحدى المدارس الهادئة، كانت هناك طالبة تدعى “لبنى”، معروفة بخجلها الشديد وأدبها الجم. كانت لبنى تلميذة مجتهدة ومتميزة في دراستها، إلا أنها لم تكن من النوع الاجتماعي الذي يبادر بالحديث أو المشاركة في الأنشطة الجماعية.
ونتيجة لذلك، بدأت بعض زميلاتها في الفصل بإساءة فهم سلوكها الهادئ، واعتقدن بأنها فتاة مغرورة تتعالى على من حولها.
بداية الإساءة وسوء الفهم
مع مرور الوقت، بدأت بعض الطالبات في التحدث عن لبنى بشكل سلبي، وتداولن عبارات غير لائقة عنها مثل: “إنها تتصرف وكأنها أفضل منا”، أو “لا ترغب في الحديث مع أحد”. وعلى الرغم من أن لبنى كانت تستمع لتلك العبارات، إلا أنها اختارت في البداية أن تصمت، ظنًّا منها أن تجاهل الإساءة هو التصرف الصحيح.
لكن، ولأن تكرار الإساءة يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، بدأت لبنى تشعر بالحزن والانزعاج. وفي أحد الأيام، رفضت الذهاب إلى المدرسة دون أن تخبر أحدًا عن السبب الحقيقي.
الحوار مع الأم
لاحظت والدة لبنى تغير سلوك ابنتها، فبادرت بالجلوس معها وسؤالها عمّا يُزعجها. بعد تردد قصير، اعترفت لبنى بما يقال عنها في المدرسة، وكيف أن زميلاتها يظنون بها ظنًا سيئًا.
استمعت الأم بانتباه، ثم قالت بلطف:
“يا لبنى، الصمت أحيانًا يكون حكيمًا، لكنه لا يصلح دائمًا. حين يُساء فهمك، من المهم أن توضحي حقيقتك بلغة مهذبة ومباشرة. الرد المهذب لا يعني الضعف، بل هو دليل على قوة الشخصية.”
المواجهة بأسلوب راقٍ
في اليوم التالي، وبينما كانت لبنى تمر بجوار بعض الطالبات اللواتي اعتدن السخرية منها، سمعت إحداهن تهمس بكلمة غير لطيفة. هنا قررت لبنى أن تتصرف وفقًا لما نصحتها به والدتها.
توقفت بهدوء، ثم قالت بصوت واثق ولطيف:
“أعلم أنكم تعتقدن أنني لا أحب الحديث أو التعامل مع أحد، لكن الحقيقة أنني فقط فتاة خجولة. أحتاج وقتًا لأندمج، وهذا لا يعني أنني لا أقدّركن أو لا أرغب في صداقتكن.”
فوجئت الطالبات بكلام لبنى، ولم يجدن ما يرددن به سوى نظرات مليئة بالدهشة، وربما قليل من الندم.
تغيير في المعاملة والنتائج الإيجابية
بعد هذا الموقف، لاحظت لبنى تغيّرًا كبيرًا في تعامل زميلاتها معها. بدأت بعضهن بالاقتراب منها، وسعين للتعرّف عليها أكثر. كما اعتذرت اثنتان من الطالبات عما بدر منهن، وأكدن أنهن لم يتوقعن أن كلماتهن كانت جارحة.
أما لبنى، فقد شعرت براحة نفسية كبيرة، وأدركت أن الرد اللطيف قد يكون أحيانًا أقوى من أي جدال، بل وقد يغيّر نظرة الآخرين تمامًا.
العبرة من القصة
تعلّمنا هذه القصة أن ردّ الإساءة لا يتطلب صوتًا مرتفعًا أو تصرفًا عنيفًا، بل يحتاج إلى شجاعة داخلية وقدرة على التعبير عن الذات بأسلوب مهذب ومحترم. كما تُبيّن أن سوء الفهم قد يكون سببًا في الكثير من المشكلات، ولكن الكلمة الطيبة قادرة على تصحيح المفاهيم وتوطيد العلاقات.