حدوتة جدتي:قصة مائدة بلا أصوات
في أحد البيوت العادية، كان يعيش طفل اسمه سليم. ورغم أن حياة سليم تبدو طبيعية من الخارج، إلا أنه كان يشعر بشيء ناقص في قلبه. فكل يوم، عندما يحين وقت الغداء، يتفرق كل فرد من العائلة في مكان مختلف. فالأب يجلس أمام التلفاز يتابع الأخبار، والأم تبقى مشغولة في المطبخ بين الأطباق، بينما يفضل أخوه الأكبر الجلوس في غرفته أمام الكمبيوتر، وأخته الصغيرة تختبئ وسط ألعابها. أما سليم، فكان يجلس وحيدًا على الطاولة، ينظر إلى الأطباق ويشعر بالوحدة.
مشاعر الطفل الصغيرة
في الحقيقة، كان سليم يحلم فقط بلحظة بسيطة: أن تجلس العائلة كلها معًا حول المائدة، يتحدثون ويضحكون، ويتشاركون الطعام. ومع ذلك، كان الأمر يبدو مستحيلاً يومًا بعد يوم. ومن ناحية، كان يشعر أن والده لا يترك التلفاز أبدًا. ومن ناحية أخرى، كان يرى أن أمه غارقة دائمًا في العمل المنزلي. ولذلك، كان يزداد حزنه شيئًا فشيئًا، حتى قرر أن يفعل شيئًا مختلفًا.
خطة سليم السرية
في ليلة هادئة، جلس سليم يفكر. فقال لنفسه: “لماذا لا أخطط ليوم خاص؟ يوم تكون فيه المائدة مليئة بالأصوات بدلًا من الصمت؟”. ومن هنا بدأ يضع خطته الصغيرة. أولًا، رسم على ورقة صورة لمائدة كبيرة يجلس حولها الأب والأم والإخوة. ثانيًا، كتب بجوارها: يوم الجمعة – الساعة الثانية – غداء العيلة.
وبالإضافة إلى ذلك، قرر أن يجعل الأمر مفاجأة. ولذلك، خبأ الورقة تحت وسادته، وبدأ ينتظر الوقت المناسب ليطبق فكرته.
خطوات التنفيذ
عندما جاء يوم الجمعة، استيقظ سليم مبكرًا. وعلى الرغم من أنه طفل صغير، إلا أنه حاول المساعدة في المطبخ. فأخرج الأطباق، ورتب المائدة بطريقة جميلة. وبعد ذلك، كتب لكل فرد من أفراد العائلة “دعوة صغيرة” على ورقة ملونة. كتب لأبيه: بابا، الغداء النهارده عندي مهم جدًا. وكتب لأمه: ماما، تعالي ارتاحي شوية وكلّي معانا. أما أخوه وأخته، فكتب لهما: أنا محتاجكم علشان نضحك مع بعض على المائدة.
ثم وضع كل ورقة في المكان الذي يعرف أن صاحبها سيجدها فيه.
لحظة الحسم
مع اقتراب وقت الغداء، بدأ قلب سليم يخفق بسرعة. هل سينجح؟ أم سيبقى كل فرد في مكانه كالعادة؟ في البداية، سمع والده يطفئ التلفاز متعجبًا: “إيه الدعوة دي؟”. ثم رأى أمه تخرج من المطبخ وهي تبتسم لأول مرة وقت الغداء. وبعد لحظات، جاء أخوه وهو يحمل كرسيه، ثم تبعته أخته الصغيرة وهي تضحك.
ولأول مرة منذ زمن طويل، جلس الجميع على المائدة معًا. في البداية ساد الصمت، ولكن سرعان ما بدأت الضحكات والحوارات البسيطة. الأب حكى عن عمله، والأم شاركتهم وصفة جديدة، والإخوة تبادلوا النكات. أما سليم، فقد جلس يبتسم وهو يشعر أن حلمه تحقق.
الدرس المستفاد
من خلال هذه التجربة البسيطة، فهم سليم أن التغيير لا يأتي إلا بالمبادرة. فبدلًا من أن ينتظر أن يجتمعوا تلقائيًا، قرر أن يأخذ خطوة صغيرة جعلت اليوم مختلفًا. وبالإضافة إلى ذلك، أدركت الأسرة كلها أن الغداء ليس مجرد طعام، بل هو لحظة دفء ومحبة تقوي الروابط بينهم.
وهكذا، تحولت “المائدة بلا أصوات” إلى مائدة مليئة بالحياة. ومنذ ذلك اليوم، اتفقت العائلة أن يجتمعوا مرة واحدة على الأقل في الأسبوع حول الطعام. وبذلك، لم يعد الغداء وقتًا صامتًا متفرقًا، بل أصبح مناسبة ينتظرها الجميع.