قصة مالك والعصبية الزائدة

حدوتة جدتي:قصة مالك والعصبية الزائدة

كان الطفل مالك يبلغ من العمر ثماني سنوات، ويعيش مع والديه وأخته الصغرى في إحدى الضواحي الهادئة. وقد اشتهر مالك بين زملائه في المدرسة بذكائه وقدرته على حل المسائل الرياضية بسرعة لافتة، إلا أن سلوكه لم يكن على نفس القدر من التميز، فقد كان سريع الغضب، كثير الرد على الكبار، لا سيما إذا طُلب منه تنفيذ أمر ما أو إذا وُجه له نقد، حتى وإن كان بسيطًا.

ومع مرور الأيام، بدأت تصرفات مالك تثير قلق معلمته “أستاذة داليا”، والتي لاحظت أنه يرفع صوته كثيرًا ويرد بانفعال حين يطلب منه أي شيء، سواء في الفصل أو أثناء النشاطات المدرسية.

قصة مالك والعصبية الزائدة

بداية المشكلة في المدرسة

في أحد الأيام، طلبت منه المعلمة أن يعيد ترتيب أدواته بعد حصة الرسم، فصاح قائلاً:
“لماذا دائمًا أنا؟! ألا ترين أن الجميع تركوا الطاولة فوضوية؟”

كان الصوت مرتفعًا والنبرة حادة، مما جعل زملاءه ينظرون إليه بدهشة واستغراب. غير أن المعلمة، التي كانت حريصة على فهم أعمق لسلوك مالك، قررت عدم توبيخه، بل فضلت الحديث معه لاحقًا في مكان هادئ.

جلسة الحوار الصادق

بعد انتهاء اليوم الدراسي، جلست المعلمة مع مالك في حديقة المدرسة وسألته بلطف:
“مالك، هل كل شيء على ما يرام؟ لاحظت أنك كنت غاضبًا اليوم. هل هناك شيء يزعجك؟”

تردد مالك في البداية، لكنه بعد لحظات قال بصوت منخفض:
“أشعر أن الجميع يوجهون لي الأوامر. في البيت، وفي المدرسة… وكأنني دائمًا مخطئ.”

هنا، أدركت المعلمة أن الغضب الظاهري لم يكن سوى انعكاس لمشاعر أعمق، ربما مشاعر بالظلم، أو الإهمال، أو عدم الفهم.

جذور المشكلة في المنزل

بعد أيام، دعت المعلمة والدة مالك إلى المدرسة لمناقشة سلوكه، وكانت المفاجأة أن والدته أبدت قلقها من نفس السلوك في المنزل، حيث قالت:
“عندما أطلب من مالك أن يُطفئ التلفاز أو يُنهي واجبه، يبدأ بالصراخ والرد عليّ، ثم يغلق باب غرفته بعنف. في بعض الأحيان، لا أعرف كيف أتعامل معه.”

سألتها المعلمة بلطف:
“هل تتركون له مساحة للتعبير عن رأيه؟”

أجابت الأم بتنهيدة:
“ليس دائمًا. نحن نُطالبه بالهدوء، لكنه لا يستمع.”

خطة التغيير: التعبير السليم عن المشاعر

بناءً على ما سمعته، وضعت المعلمة خطة بالتعاون مع الأسرة لمساعدة مالك على التعامل مع مشاعره بدلًا من كبتها، ومن أبرز الخطوات التي اتُبعت:

  1. تخصيص وقت يومي للحديث معه دون أوامر، فقط للإصغاء لمشاعره.

  2. تعليمه استخدام جمل بديلة عند الغضب مثل: “أنا منزعج الآن، أحتاج بعض الوقت.”

  3. تدريبه على تمارين التنفس والعد العكسي عندما يشعر بالتوتر.

  4. تشجيعه على الرسم أو الكتابة للتعبير عن مشاعره الداخلية.

التحول الحقيقي

مرّت أسابيع، وخلال تلك الفترة، بدأت تظهر نتائج إيجابية. ففي أحد المواقف، طلب منه والده أن يترك اللعبة ليذاكر، فبدلًا من الصراخ، قال مالك:
“أحتاج دقيقتين لأنهي المرحلة، ثم أبدأ فورًا.”

تفاجأ والده من هدوءه، ووافق بابتسامة.

كما لاحظت المعلمة في الفصل أن مالك أصبح أكثر هدوءًا، وعندما حدث خلاف بسيط مع أحد زملائه، لم يصرخ، بل شرح وجهة نظره بهدوء أمام الجميع.

بحلول نهاية الفصل الدراسي، أصبح مالك نموذجًا يحتذى به في كيفية التعامل مع الغضب والتعبير عن المشاعر بطريقة إيجابية. لقد أدرك أن الصوت العالي لا يقنع الآخرين، بل يُبعدهم، وأن الطريقة الأفضل لنيل الاحترام هي الحديث بلغة العقل والمشاعر معًا.

الدروس المستفادة من القصة

  • العصبية ليست ضعفًا في الشخصية، بل هي ناتجة غالبًا عن مشاعر غير مفهومة.

  • الاستماع للطفل يمنحه شعورًا بالأمان ويُخفف من حدة انفعالاته.

  • يمكن توجيه الغضب إلى سلوك إيجابي إذا حصل الطفل على أدوات تعبير مناسبة.