قصة تربوية مشوقة : سر السنوات الذهبية في عمر الطفل

جلسة المساء في بيت الجدة
وضعت الجدة الكوب الساخن على الطاولة، ومسحت على يد ابنتها برفق، ثم ابتسمت وقالت:
– “تعالي يا بنتي، احكي لك حكاية مش لأي حد… دي حكاية عن أم كانت زيك، خايفة وقلقانة، وبتسأل نفسها كل يوم: أربي ابني إزاي؟”
اعتدلت الابنة في جلستها، ومالت برأسها باهتمام، بينما بدأت الجدة الحكاية.
الطفل الذي وُلد في حضن الندى
في قرية بعيدة، وُلد طفل صغير في صباح نديّ، ضحكته كانت زي العصافير، وعيناه كانت مليانة فضول. سمّته أمه “روحي”، لأنه كان أغلى ما تملك.
كل صباح، كانت تحضنه، وتقول له:
– “أنا بحبك يا روح ماما… مهما حصل.”
التسجيل في مبادرة براعم مصر الرقمية
وفي يوم من الأيام، سألتها جارتها:
– “هتعلميه الحروف إمتى؟ والإنجليزي؟ والقراءة؟”
ابتسمت الأم، وقالت بهدوء:
– “لسه… دلوقتي أنا بزرع فيه حاجات تانية أهم.”
كلمة “لأ” الأولى
في يوم، حاول أحد الزوار أن يحمل الطفل بالقوة.
بكى الطفل، فاقتربت أمه، وقالت له:
– “لو حد لمسك بطريقة مش مريحة، قول لأ… جسمك ملكك، وإنت لك الحق.”
ومن يومها، تعلّم الطفل إن “لأ” مش غلط… دي أحيانًا بتكون أهم كلمة بتحميه.
أنا زعلان… وأنا مش بحب كده
كبر الطفل شوية، وبدأ يحس بالحزن أوقات، أو الخوف، أو الغضب.
بدل ما تقول له “ما تعيطش!”، قربت منه وسألته:
– “إنت زعلان؟ خايف؟ طب إحكيلي.”
قصص جدتي : قصة أول يوم صيام
بدأ الولد يقول:
– “أنا زعلان لما الباب اتقفل.
أنا مش بحب الضلمة.
أنا فرحان لما تحضنيني.”
وبالتدريج… اتعلّم يقول مشاعره، بدل ما يكتمها.
طلب المساعدة مش ضعف
في يوم حاول يلبس الحذاء، بس تعثر ووقع.
ضحكت الجدة اللي كانت شايفة الموقف، لكن الأم قالت:
– “ما تضحكيش، دي فرصة. تعالى يا روح، قول (ساعديني).”
فقال الطفل:
– “ساعديني، مش عارف ألبس.”
فرحت الأم، وحضنته، وقالت له:
– “إنك تطلب مساعدة… دي شجاعة مش ضعف.”
خطوة بخطوة… بيكبر
كل يوم، كانت تعوده يشيل لعبه، يلم حاجته، يشرب من الكوب لوحده، يلبس شرابه، حتى لو أخطأ.
كانت تقول له:
– “أنا شايفك بتحاول… وإنت بطل عشان بتحاول، مش عشان بتنجح فورًا.”
وبمرور الوقت… بدأ يعتمد على نفسه، خطوة بعد خطوة.
“لأ” لازم تتقال بهدوء كمان
مرّة قال الطفل لأمه:
– “عايز شوكولاتة قبل النوم!”
ردت عليه:
– “لأ، مش دلوقتي.”
اتضايق، وبدأ يصرخ.
قعدت جنبه، وقالت له:
– “أنا سمعتك، بس مش لازم ترفع صوتك عشان أسمعك.”
ومن ساعتها، بدأ يتقبل كلمة “لأ”، من غير انهيار.
التواصل مش بالكلام بس
لما كان الطفل يتكلم، كانت الأم تبص في عينه، وتركّز معاه، حتى لو كان بيحكي عن لعبة.
وفي كل مرة، كان يحس إنه مهم، وإن صوته مسموع.
ومن يومها… بقى يعرف يتواصل، مش بس بالكلام، لكن بالنظرة، وبالثقة.
القدوة مش بالأوامر
في يوم ضرب لعبته، وصرخ فيها.
سألته أمه:
– “ليه عملت كده؟”
قصة الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين
قال:
– “أنا شفت بابا لما زعل، صرخ.”
سكتت الأم، وفهمت… الطفل بيقلد، مش بيسمع.
فبدأت تتعامل معاه بلطف، وتعلمه الاحترام من معاملتها هي ليه، مش بكلامها فقط.
أنا فخور بيك
في كل إنجاز، صغير أو كبير، كانت الأم تقول له:
– “أنا فخورة بيك. شاطر إنك حاولت.”
كان يضحك، ويركض إليها، ويقول:
– “أنا كمان بحبني!”
لأنه تعلّم يحب نفسه من نظرتها، ومن كلامها.
أنا آسف… وأنا مسامحك
في مرة، خبط طفل تاني، وجري.
رجع لأمه، وقال:
– “أنا خبطت صاحبي.”
قالت له:
– “طيب، نروح تعتذر له، وتقوله آسف.”
ولما صاحبه اعتذر له بعد يومين، قال له:
– “أنا مسامحك.”
وهكذا… تعلّم الاعتذار، وتعلّم المسامحة.
الحب مش مشروط
وفي أسوأ أيامه… لما كسر كوب، أو شد أخته من شعرها…
ما كانتش الأم بتزعق وتبعد.
كانت تحضنه، وتقول له:
– “أنا زعلانة من اللي عملته… بس أنا بحبك، دايمًا.”
وكان الطفل ينام في حضنها، عارف إن الحب مش حسب التصرف.
وفي النهاية…
سكتت الجدة، ونظرت إلى ابنتها، وقالت:
– “عارفة مين كانت الأم دي؟”
قالت الابنة بابتسامة:
– “مين؟”
قالت الجدة وهي تلمس خد حفيدها النائم:
– “أنتِ.”
لأن التربية مش في الكُتب… التربية في القلب، وفي كل لحظة ورا لحظة، في أول ثلاث سنين.
النهاية.