قصة منى وتعلم العطاء

                                قصة منى وتعلم العطاء
في قرية هادئة تحيط بها الجبال الخضراء، كانت هناك فتاة صغيرة تدعى منى. منى كانت فتاة محبوبة بين جيرانها، طيبة القلب، دائما مبتسمة، وتحب أن تساعد الآخرين. لكنها لم تكن تعرف في البداية قيمة العطاء الحقيقي، كيف يمكن أن يغير حياة الآخرين وحياتها هي أيضًا.

منى

منذ أن كانت صغيرة، نشأت منى في أسرة محبة، ولكنهم كانوا يعيشون حياة بسيطة. والدها كان يعمل في الزراعة ووالدتها كانت تُدير المنزل وتعتني بأشقائها. رغم بساطة الحياة، كانت منى ترى دائماً كيف يعمل والدها بجد لتوفير احتياجات العائلة، وتلاحظ كيف أن جيرانهم أيضا يعملون بكل طاقتهم دون أن يتوقعوا شيئا في المقابل.

في أحد الأيام، كان هناك جارٌ مسن يدعى العم مصطفى. كان العم مصطفى فقيرا جدا، وكان يعيش بمفرده بعد وفاة زوجته. كانت منى تراه دائمًا يمر بجوار منزلهم وهو يحمل حقيبته المليئة بالأغراض، ولا يبدو عليه أنه يستطيع حملها بسهولة. شعرت منى بحزن شديد عندما رأته ذات يوم وهو يقف متعبا أمام باب منزله، وعندما اقتربت منه، قالت له: “يا عم مصطفى، هل تحتاج مساعدة؟”

ابتسم العم مصطفى وقال لها بصوت ضعيف: “شكرا لكِ يا منى، لكنني أستطيع التعامل مع هذا.”

ولكن منى، رغم قلة سنوات عمرها، أصرت على مساعدته، وحملت الحقيبة الثقيلة وسارت معه إلى منزله. بعد أن وصلوا، شكرها العم مصطفى وقال لها: “يا منى، لن تنسي هذه المساعدة أبدا، لأنها تأتي من قلبك النقي. العطاء لا يتعلق بالمقدار، بل بالقلب الذي يعطي.”

مرت الأيام، وعاشت منى حياتها اليومية، لكنها كانت دائما تتذكر كلمات العم مصطفى. في يوم آخر، عندما كانت في المدرسة، لاحظت منى أن إحدى زميلاتها في الصف تدعى فاطمة، كانت حزينة جدًا. وعندما اقتربت منها وسألتها عن السبب، أخبرتها فاطمة أنها لم تتمكن من شراء الكتاب المدرسي الجديد الذي طلبه المعلم بسبب صعوبة حالتها المالية.

فكرت منى في الأمر لفترة طويلة، وفي اليوم التالي، قررت أن تعطي فاطمة كتابا قديما كان لديها في المنزل. أخذت الكتاب وذهبت إليها في المدرسة. بمجرد أن قدمت الكتاب لها، شعرت فاطمة بالسعادة، وقالت لها: “لن أنسى هذه المساعدة أبدًا، يا منى. أنت حقًا صديقة وفية.”

مرت الأيام وأصبحت منى أكثر فهما لمدى قوة العطاء وأثره على الاخرين. كانت تلاحظ أن عطاءها لم يسعد الآخرين فقط، بل جعلها أيضًا تشعر بالسعادة والرضا الداخلي. فكلما قدمت المساعدة، كلما كانت السعادة تملأ قلبها، وتزداد رغبتها في العطاء أكثر.

في أحد الأيام، جاء إلى القرية طائر جريح، وكان يرفرف بصعوبة في أحد الحقول. رأته، فركضت نحوه وأخذته بلطف في يديها. وضعت الطائر في علبة صغيرة وبدأت تعتني به. كانت تمنحه الطعام والماء، وتعمل على علاجه. بعد فترة من الزمن، بدأ الطائر يستعيد عافيته، وعادت له قوته ليطير مجددًا.

في لحظة وداع الطائر الذي شفي، نظرت إلى السماء وقالت: “العطاء ليس فقط أن تعطي شيئا ماديا، بل أن تعطي حبك واهتمامك لمن حولك. هذا هو العطاء الحقيقي.” أدركت أنه لا يوجد أجمل من أن تساهم في جعل حياة الآخرين أفضل، سواء بابتسامة، أو كلمة طيبة، أو مساعدة بسيطة.

 

من خلال هذه التجارب، تعلمت أن العطاء ليس مجرد فعل بل هو شعور داخلي، ونعمة تمنح الإنسان سعادة حقيقية. عندما تعطي، أنت لا تمنح فقط شيئا ماديا، بل تمنح جزءا من قلبك، وكلما قدمت، زادت السعادة التي تشعر بها.

تعلمنا أن العطاء ليس مرتبطا بما تملك، بل بما تقدمه من حب واهتمام. فالعطاء يمكن أن يكون مجرد ابتسامة، كلمة طيبة، أو يد تمتد للمساعدة. والأهم من ذلك، أن العطاء يعود علينا بالفرح والسكينة التي لا تُقاس بأي شيء آخر.

اترك رد