قصة بدر والندم الشديد
في قرية بعيدة تدعى “الخيال”، عاش ولد يدعى بدر. كان بدر معروفًا بين الجميع بطيبة قلبه، وابتسامته التي لا تفارقه، وحبه لمساعدة الآخرين. كان دائمًا موجودًا عندما يحتاجه أحدهم، سواء كان ذلك في المدرسة، أو في القرية، أو حتى في أبسط الأمور اليومية.

بفضل تفانيه وذكائه، كان بدر متميزًا في دراسته، وكان الجميع يحبه ويحترمه. لكن رغم شعبيته، كان بدر يشعر أحيانًا بالوحدة، إذ كان يخشى أن تكون صداقات بعض الناس معه قائمة فقط على حاجتهم إليه.
في يوم من الأيام، وبينما كان بدر يساعد أحد زملائه في حل واجب دراسي صعب، خطر بباله سؤال:
“ماذا لو احتجت أنا إلى المساعدة؟ هل سيقف أصدقائي بجانبي كما أفعل معهم؟”
قرر بدر اختبار صداقات من حوله، ليستطيع أن يعرف من هم أصدقاؤه الحقيقيون.
اختار يومًا مزدحمًا في المدرسة، واقترب من صديقه المقرب، سامي، وقال له:
“سامي، أحتاج مساعدتك في مشروع المدرسة. الأمر صعب جدًا، ولا أستطيع إكماله وحدي.”
لكن سامي، الذي كان مشغولًا بلعب الكرة مع أصدقائه، رد ببرود:
“آسف يا بدر، ما عنديش وقت دلوقتي. جرب تعمل المشروع لوحدك.”
شعر بدر بصدمة كبيرة، لكنه قرر أن يكرر الاختبار مع أصدقائه الآخرين.
توجه بدر إلى صديق آخر يدعى علي، وقال له نفس الشيء. لكن علي أيضًا اعتذر بحجة أنه مشغول بواجباته.
جرب بدر مرة أخرى مع مريم، زميلته التي كان دائمًا يساعدها في ترتيب أبحاثها. لكنها أيضًا قدمت له أعذارًا واعتذرت.
في نهاية اليوم، شعر بدر بحزن عميق. جلس بمفرده تحت شجرة في ساحة المدرسة، وهو يفكر:
“لماذا يتصرفون هكذا؟ أنا لم أطلب منهم شيئًا من قبل. كنت دائمًا أساعدهم، ولم أرفض طلبًا لأي منهم. هل فعلت شيئًا خاطئًا ليعاملوني بهذه الطريقة؟”
عاد بدر إلى منزله وهو غارق في أفكاره. جلس في غرفته وحده وقال لنفسه:
“ربما كنت مخطئًا في أن أضع ثقتي الكاملة في هؤلاء الناس. كنت أعتقد أنهم أصدقائي، لكن يبدو أنني كنت أعيش في وهم.”
بدر لم يكن غاضبًا فقط؛ كان يشعر بالندم. كان يلوم نفسه لأنه أعطى الكثير من وقته وجهده لأشخاص لم يقدّروا ما فعله لأجلهم.
لاحظ جده حزنه، فاقترب منه وسأله:
“ما بك يا بدر؟ يبدو عليك الحزن الشديد.”
روى لجده كل ما حدث. ابتسم الجد بحنان وقال:
“يا بني، لا تندم على طيبتك. أن تساعد الآخرين هو أمر نبيل، لكن ليس الجميع يفهمون قيمة العطاء. الأشخاص الحقيقيون يظهرون وقت الحاجة، وهؤلاء هم من يستحقون أن تحتفظ بهم في حياتك.”
ثم أكمل قائلاً:
“اختبارك كان صعبًا على نفسك، لكنه كشف لك الحقيقة. استمر في طيبتك، لكن تعلم ألا تعتمد على الجميع. اختر أصدقاءك بحكمة، وستجد من يقدّرونك حقًا.”
في اليوم التالي، قرر أن يتوقف عن لوم نفسه. بدأ يراقب من حوله بعين أكثر وعيًا، وبدأ في إعادة تقييم علاقاته. أدرك أن من يحبك حقًا، سيقف بجانبك دون أن تطلب.
وعلى الرغم من حزنه، تعهد بألا يدع هذه التجربة تغير طبيعته الطيبة. بل قرر أن يصبح أكثر حرصًا في اختيار من يثق بهم، وأن يتعلم كيف يضع حدودًا في علاقاته مع الآخرين.
بمرور الوقت، تعلم درسًا مهمًا عن الصداقة والعطاء:
“أن تكون طيبًا لا يعني أن تسمح للآخرين باستغلالك. الطيبة قوة، ولكن الحكمة في اختيار من تستحق طيبتك هي ما يجعلها ذات قيمة.”
لا تندم على فعل الخير، لكن تعلم أن تمنحه لمن يقدّر قيمته. الصداقة الحقيقية تظهر في الأوقات الصعبة، ولا بأس أن تخسر بعض الأشخاص إذا كانوا لا يستحقون وجودك.