قصة للأطفال عن شجاعة طفل صغير : بطل سيناء الصغير وتحرير الأرض.
كان يا ما كان في أرض سيناء، حيث الصحراء الواسعة والجبال الشامخة، كان هناك طفل صغير اسمه عبيدة. عبيدة كان يعيش مع أسرته البدوية، وكان يحب الجري بين الرمال واللعب تحت السماء الصافية. كان لأبوه مكانة كبيرة بين العرب في سيناء، رجل شجاع، قوي، ودايماً يعلم ابنه حب مصر. ولكن في يوم من الأيام، تغير كل شيء.

احتلت إسرائيل سيناء، وأصبحت حياة عبيدة مليئة بالخوف والحزن. في إحدى الليالي المظلمة، جاء الجنود الإسرائيليون إلى قريتهم. لم يأتوا بالسلام، بل جاءوا بالسلاح والظلم. حاول والد عبيدة الدفاع عن أرضه، لكن الأعداء كانوا بلا رحمة. قُتل والد عبيدة أمام عينيه، ولم يكن عمره يتجاوز العشر سنوات. كان قلبه الصغير مكسوراً من الألم، ولكن أم عبيدة وقفت إلى جانبه وقالت له: “يا عبيدة، دم أبوك مش هيروح هدر. إحنا مصريين، وحقنا هنرجعه.”
لم يكن الأمر سهلاً على عبيدة. عاش يتمياً، وكانت عيناه تمتلئان بالدموع كلما تذكر والده. لكنه لم يكن ضعيفاً، بل بدأ يكبر وفي قلبه نار الشجاعة. كان يعرف جيداً أن الأعداء الإسرائيليين هم السبب في فقدان والده، وكان يرى بأم عينه وحشيتهم، كيف كانوا يعذبون الرجال ويحتجزونهم في السجون بطرق قاسية لا ترحم. كان يسمع من أهل قريته عن طرق التعذيب البشعة التي يستخدمها الصهاينة في حق المصريين. الجنود الإسرائيليون كانوا يعتقلون الرجال، ويعذبونهم بالضرب والكهرباء، وحتى يحرمونهم من الطعام والماء لأيام. كان يسمع عن صرخاتهم في الليل، ولا يستطيع نسيان تلك الأصوات.
ومع كل هذا، لم تستطع إسرائيل أن تجعل عبيدة أو أي من أهل سيناء يستسلم. كانت أم عبيدة دائماً تذكره: “مصر هي أرضنا، والعدو مهما حاول مش هيقدر يخطفها من قلوبنا.” بدأت والدته تُربيه على حب الوطن، وعلى كره الظلم والاحتلال. وكانت دائماً تحكي له عن الفدائيين المصريين الأبطال الذين يقاومون الاحتلال بكل شجاعة.
عبيدة، رغم صغر سنه، كان يشعر برغبة كبيرة في الانتقام لوالده والمساهمة في تحرير سيناء. وفي يوم من الأيام، سمع عن مجموعة من الفدائيين الذين يعملون سرًا ضد الاحتلال. كان حلمه أن ينضم إليهم. بدأ يتتبع أخبارهم، حتى وجد الفرصة المناسبة. ذهب إلى قائد الفدائيين وطلب منهم أن يشارك، ولكنهم كانوا مترددين في البداية بسبب صغر سنه. إلا أن عزيمته وشجاعته كانت أكبر من عمره بكثير.
بدأ عبيدة يساعد الفدائيين في نقل الرسائل بين القرى، وكان يراقب تحركات الجنود الإسرائيليين. كانت هناك لحظات صعبة، فقد كان عليه أن يختبئ بين الصخور ويتجنب دوريات العدو. وفي إحدى الليالي، بينما كان عبيدة يحمل رسالة مهمة للفدائيين، اكتشفه الجنود الإسرائيليون. شعر بالخوف، لكنه لم يسمح للخوف أن يسيطر عليه. جرى بأقصى سرعته، وقفز بين الصخور، حتى تمكن من الهرب في آخر لحظة.
لم يكن هذا التحدي الوحيد الذي واجهه عبيدة. في مرة أخرى، اقترب الجنود من قريته وبدأوا يحققون مع أهلها. كانوا يبحثون عن الفدائيين والمقاومين. حاولوا ترهيب الجميع بتعذيب بعض الشبان أمام الناس، في مشهد مرعب. لكن عبيدة كان يشاهد كل هذا من بعيد، وكان مصمماً أكثر من أي وقت مضى على أن يقاوم.
ومع بداية حرب أكتوبر المجيدة، كان عبيدة في طليعة المساعدين للجيش المصري. ساعد الجنود المصريين في عبور القناة، وكان يعرف طرق الصحراء الوعرة ويقودهم عبر الدروب الآمنة بعيدًا عن أعين العدو. كان قلبه يخفق بشدة، لكنه كان يعرف أن هذا اليوم هو يوم النصر. وكان يرى في عيون الجنود المصريين الأمل والإصرار على تحرير سيناء.
وفي إحدى العمليات، ساعد عبيدة الجنود في الإيقاع بمجموعة من الجنود الإسرائيليين. بفضل شجاعته ومعرفته الدقيقة بالمنطقة، تمكن الجيش المصري من تنفيذ هجوم ناجح، وكان هذا الهجوم نقطة تحول كبيرة في المعركة.
بعد انتصار مصر وتحرير سيناء، وقف الجميع يحيون عبيدة. لم يكن مجرد طفل صغير، بل كان بطلاً ساهم في تحرير أرضه. تم تكريمه من قبل القوات المصرية، وكان يقف فخوراً بملابسه البدوية وعقاله، وقال لهم: “أنا مصري، عربي، ومسلم، وده شرف ليّ ولأي حد يحارب عشان وطنه.”
عبيدة أصبح رمزاً للصمود والشجاعة، ولم يكن ينسى أبداً تضحيات والده وأهل سيناء. وظل يروي للأجيال الجديدة قصص البطولة والتحدي، ويذكرهم دائماً بأن مصر غالية، وأن العدو مهما حاول إيقاعنا، لن يستطيع أن ينتزع حبنا لأرضنا ووطننا.
وبهذه الروح، يظل عبيدة وأمثاله من الأبطال محفورين في ذاكرة الأجيال، لتظل قصة حرب أكتوبر درساً في الوطنية والشجاعة والصمود.