قصة عمر والخطوة الأولى

                            قصة عمر والخطوة الأولى
في أحد الأحياء الصغيرة، عاش ولد يُدعى عمر. كان عمر في الثانية عشرة من عمره، وكان معروفًا بين الجميع بأنه هادئ جدًا وخجول للغاية. كان يحب الجلوس وحيدًا في ركن الفصل، يتجنب الكلام مع زملائه أو المشاركة في أي نشاط. حتى عندما يسأله أحدهم سؤالًا بسيطًا، كان يحمر وجهه وينظر للأسفل متجنبًا الرد.

أحيانًا كان زملاؤه يضحكون علي عمر لأنه لا يستطيع التعبير عن نفسه، وأحيانًا كان المعلمون يوبخونه لعدم مشاركته في الدروس. كل هذا زاد من شعوره بالخجل، وجعله أكثر انعزالًا.

كان عمر يعاني بسبب خجله حتى في المنزل. عندما تأتي زيارات عائلية، كان يختبئ في غرفته، وعندما يُطلب منه إحضار شيء أو التحدث أمام الآخرين، كان يشعر بالتوتر وكأن قلبه ينبض بسرعة جنونية.

والدته كانت دائمًا تقول له: “يا عمر، الخجل مش عيب، لكن لازم تتعلم تتكلم. الناس مش هتعرف قد إيه أنت طيب وذكي لو ما حاولتش.” لكنه كان يرد بهدوء: “مش عارف يا أمي، بخاف الناس تضحك عليا أو ما تفهمنيش.”

في أحد الأيام، قرر معلم اللغة العربية أن يُقيم مسابقة في الإلقاء داخل الفصل. كان الهدف أن يقرأ كل طالب قصيدة بصوت عالٍ أمام زملائه. عندما سمع عمر بذلك، شعر وكأن الدنيا قد انهارت عليه. كيف سيقف أمام الجميع ويتحدث؟ مجرد التفكير جعله يشعر بالحرارة تملأ وجهه ويديه ترتجفان.

 

حاول أن يتهرب من الحصة، لكنه لم يستطع. وقف المعلم أمام الفصل وأعلن أسماء المشاركين، وكان اسم عمر من بينهم. نظر إليه المعلم بابتسامة وقال: “يا عمر، أنت عندك صوت جميل، وأنا واثق أنك هتعمل حاجة حلوة.”

في يوم المسابقة، جاء دور عمر. وقف أمام زملائه وبدأت الكلمات تتلاشى من ذهنه. شعر بالخوف وكأن الجميع يحدقون فيه. حاول أن يقرأ الكلمات، لكن صوته كان منخفضًا جدًا، لدرجة أن زملاءه لم يسمعوا شيئًا. انفجر بعضهم بالضحك، مما جعله يجلس على مقعده والدموع في عينيه.

 

بعد الحصة، اقترب منه المعلم وقال له بلطف: “عمر، عارف إنك خجول، وده طبيعي. لكن الخجل مش لازم يمنعك من المحاولة. إحنا كلنا بنبدأ ضعاف، ومع الوقت بنقوى.”

 

 

 

عاد عمر إلى المنزل وأخبر والدته بما حدث. بدلاً من أن تشعر بالإحباط، قالت له: “يا عمر، كل الناس بتخاف لما تواجه شيء جديد. لكن النجاح بيبدأ بخطوة صغيرة.” جلست معه وبدأت تساعده على قراءة القصيدة بصوت عالٍ في المنزل. شجعته على أن يتحدث أمامها وأمام والده، وبمرور الأيام، بدأ يكتسب بعض الثقة.

بعد أسبوع، أعلن المعلم عن مسابقة جديدة للإلقاء. هذه المرة، قرر عمر أن يشارك مرة أخرى، رغم خوفه. قال لنفسه: “مش مهم الناس تضحك عليا، المهم أحاول.”

 

في يوم المسابقة، وقف عمر أمام زملائه مجددًا. رغم أن قلبه كان ينبض بسرعة، إلا أنه تذكر كلام والدته ومعلمه. أخذ نفسًا عميقًا وبدأ في قراءة القصيدة. هذه المرة، كان صوته أكثر وضوحًا، وعيناه مليئتان بالإصرار.

 

عندما انتهى، ساد صمت قصير، ثم بدأ الجميع يصفقون له. شعر بشعور لم يعرفه من قبل، شعور النجاح بعد الخوف. اقترب منه المعلم وقال بابتسامة: “شفت؟ كنت عارف إنك تقدر.”

 

 

منذ ذلك اليوم، تغير تدريجيًا. لم يصبح فجأة شخصًا جريئًا أو اجتماعيًا، لكنّه بدأ يتحدى نفسه أكثر. بدأ يشارك في الأنشطة الصفية، ويحاول التحدث مع زملائه.

كان يعرف أن الخجل جزء من شخصيته، لكنه تعلم كيف يتغلب عليه عندما يحتاج لذلك. أصبح يرى في نفسه طاقة وقوة لم يكن يظن أنه يمتلكها.

 

تعلم أن الخجل ليس عيبًا، لكنّه يحتاج إلى الشجاعة لمواجهته. أدرك أن كل خطوة صغيرة نحو التغيير تعني تقدمًا كبيرًا. صار يكرر لنفسه دائمًا: “أنا أقدر، وده المهم.”

اترك رد